فما فعل ذلك فاعلمه، وكذا ربما يقع له ترجيح أحد الأوجه في الإعراب أو غيره من الاحتمالات أو الأقوال في موضع ثم يرجح في موضع آخر غيره، إلى غير ذلك مما لا طعن عليه بسببه، بل هذا أمر لا ينفك عنه كثير من الأثمة المعتمدين. وكان ابتداء تأليفه في أوائل سنة سبعٍ عشرة وثمانمائة على طريق الإملاء، ثم صار يكتب بخطه شيئًا فشيئًا فيكتب الكراس ثم يكتبه جماعة من الأئمة المعتبرين، وعارض بالأصل مع المباحثة في يوم من الأسبوع، وذلك بقراءة العلاّمة ابن خضر. فصار السفر لا يكمل منه شيء إلاّ وقد قوبل وحرّر إلى أن انتهى في أوّل يوم من رجب سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، سوى ما ألحق فيه بعد ذلك فلم ينته إلا قبيل وفاة المؤلف بيسير. ولما تم عمل مصنفه وليمة بالمكان المسمى بالتاج والسبع وجوه في يوم السبت ثاني شعبان سنة اثنتين وأربعين، وقرئ المجلس الأخير هناك بحضرة الأئمة كالقاياني والونائي والسعد الديري. وكان المصروف على الوليمة المذكورة نحو خمسمائة دينار. وكملت مقدمته وهي في مجلد ضخم في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وقد استوفيت بحمد الله تعالى مطالعهما. وقد اختصر فتح الباري شيخ مشايخنا الشيخ أبو الفتح محمد ابن الشيخ زين الدين بن الحسين المراغي وقد رأيته بمكة وكتبت كثيرًا منه. وشرحه العلاّمة بدر الدين العيني الحنفي في عشرة أجزاء أو أزيد، وسماه عمدة القاري وهو بخطه في أحد وعشرين جزءًا مجلدًا بمدرسته التي أنشأها بحارة كتامة بالقرب من الجامع الأزهر. وشرع في تأليفه في أواخر رجب سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، وفرغ منه في آخر الثلث الأوّل من ليلة السبت خامس شهر جمادى الأولى سنة سبع وأربعين وثمانمائة، واستمد فيه من فتح الباري كان فيما قيل يستعيره من البرهان ابن خضر بإذن مصنفه له، وتعقبه في مواضع وطوّله بما تعمد الحافظ ابن حجر في الفتح حذفه من سياق الحديث بتمامه، وإفراد كلٍّ من تراجم الرواة بالكلام وبيان الأنساب واللغات والإعراب والمعاني والبيان، واستنباط الفرائد من الحديث والأسئلة والأجوبة وغير ذلك.
وقد حكي أن بعض الفضلاء ذكر للحافظ ابن حجر ترجيح شرح العيني بما اشتمل عليه من البديع وغيره، فقال بديهة هذا شيء نقله من شرح لركن الدين، وكنت قد وقفت عليه قبله ولكن تركت النقل منه لكونه لم يتم، إنما كتب منه قطعة وخشيت من تعبي بعد فراغها في الاسترسال في هذا المهيع، ولذا لم يتكلم البدر العيني بعد تلك القطعة بشيء من ذلك انتهى.
وبالجملة فإن شرحه حافل كامل في معناه لكنه لم ينتشر كانتشار فتح الباري من حياة مؤلفه وهلمّ جرًّا، وكذا شرح مواضع من البخاري الشيخ بدر الدين الزركشي في التنقيح، وللحافظ ابن حجر نكت عليه لم تكمل، وكذا شرح العلاّمة بدر الدين الدماميني وسماه مصابيح الجامع، وقد استوفيت مطالعتها كشرح العيني وابن حجر والبرماوي. وكذا شرح الحافظ الجلال السيوطي فيما بلغني في تعليق لطيف قريب من تنقيح الزركشي سمّاه التوشيح على الجامع الصحيح. وكذا شرح منه شيخ الإسلام أبو زكريا يحيى النووي قطعة من أوّله إلى آخر كتاب الإيمان طالعتها وانتفعت ببركتها، وكذا الحافظ ابن كثير قطعة من أوّله والزين بن رجب الدمشقي ورأيت منه مجلدة. والعلاّمة