على عائشة وفاطمة وقد جرى بينهما كلام فقال "ما أنت بمنتهية يا حميراء عن ابنتي إن مثلي ومثلك كأبي زرع مع أم زرع". فقالت: يا رسول الله حدّثنا عنهما فقال: "كانت قرية فيها إحدى عشرة امرأة وكان الرجال خلوفًا فقلن تعالين نذكر أزواجنا بما فيهم ولا نكذب".
(قالت) المرأة (الأولى) ولم تسم تذم زوجها (زوجي لحم جمل غث) بفتح العين المعجمة وتشديد المثلثة والرفع صفة للحم والجرّ صفة لجمل وكلاهما في الفرع. قال البدر الدماميني: لا إشكال في جوازهما لكن لا أدري ما المرويّ منهما ولا هل ثبتا معًا في الرواية فينبغي تحريره انتهى. قلت: قال ابن الجوزي: المشهور في الرواية الخفض، وقال لنا ابن ناصر: الجيد الرفع، ونقله عن التبريزي وغيره والمعنى زوجي شديد الهزال (على رأس جبل) زاد الترمذي في الشمائل وعر أي كثير الصخر شديد الغلظة يصعب الرقيّ إليه وعند الزبير بن بكار على رأس جبل وعث بفتح الواو وسكون المهملة بعدها مثلثة صعب المرتقى بحيث توحل فيه الأقدام فلا تخلص منه ويشق فيه المشي (لا سهل فيرتقى) بضم التحتية وفتح القاف مبنيًا للمفعول أي فيصعد إليه لصعوبة المسلك إليه ولا سهل بالخفض منوّنًا في الفرع كأصله صفة الجبل، ويجوز الفتح بلا تنوين على إعمال لا مع حذف الخير أي لا سهل فيه والرفع مع التنوين خبر مبتدأ مضمر أي لا هو. قال البدر الدماميني: ويلزم عليه إلغاء لا مع عدم التكرير في توجيه الرفع ودخول لا على الصفة المفردة مع انتفاء التكرير في توجيه الجر وكلاهما باطل انتهى. وعند الطبراني لا سهل فيرتقى إليه (ولا سمين) بالجر والرفع منوّنًا والفتح بلا تنوين كما مرّ في لا سهل، ويجوز أن يكون رفع سمين على أنه صفة للحم وجره صفة للجمل (فينتقل) أي لا ينقله أحد لهزاله. وعند أبي عبيد فينتقى وهو وصف للحم أي ليس له نقي يستخرج والنقي بكسر النون المخ يقال نقوت العظم ونقيته إذا استخرجت مخه.
قال القاضي عياض: انظر إلى كلامها فإنه مع صدق تشبيهه قد جمع من حسن الكلام أنواعًا، وكشف عن محيا البلاغة قناعًا، وقرن بين جزالة الألفاظ، وحلاوة البديع، وضم تفاريق المناسبة والمقابلة والمطابقة والمجانسة والترتيب والترصيع، فأما صدق تشبيهها فقد أودعت أول كلامها تشبيه شيئين من زوجها بشيئين فشبهت باللحم الغث بخله وقلة عرفه، وبالجبل الوعث شراسة خلقه وشموخ أنفه، فلما تممت كلامها جعلت تفسر شابقة كل واحدة من الجملتين وتفصل ناعتة كل قسم من المشبهين ففصلت الكلام وقسمته، وأبانت الوجه الذي علقت التشبيه به وشرحته، فقالت: لا الجبل سهل فلا يشق ارتقاؤه لأخذ اللحم ولو كان هزيلًا لأن الشيء المزهود فيه قد يؤخذ إذا وجد بغير نصب، ولا اللحم سمين فيحتمل في طلبه واقتنائه مشقة صعود الجبل ومعاناة وعورته فإذا لم يكن هذا ولا ذاك واجتمع قلة الحرص عليه ومشقة الوصول إليه، لم تطمح إليه همة طالب ولا امتدت نحوه أمنية راغب، فقطع الكلام عند تمام التشبيه والتمثيل، وابتداؤه بحكم التفسير والتفصيل أليق بنظم الكلام وأحسن من نفي التبرئة وردّ الصفة في نمط البيان وأجلى في ردّ الأعجاز على صدور هذه الأقسام، والتشبيه أحد أبواب البلاغة وأبدع أفانين هذه