للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في الخلق والخُلق، وفي رواية الحارث بن أبي أسامة فأعجبته فطلقني (فنكحت) تزوجت (بعده رجلًا) أي يسم (سريًّا) بفتح السين المهملة وكسر الراء وتشديد التحتية أي خيارًا (ركب) فرسًا (شريًّا) بالشين المعجمة فائقًا يستشري في سيره يمضي فيه بلا فتور ولاء (وأخذ) رمحًا (خطيًّا) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة المكسورة والتحتية المشددتين صفة موصوف محذوف والخط موضع بنواحي البحرين تجلب منه الرماح (وأراح) بفتح الهمزة والراء آخره حاء مهملة من الإراحة وهي الإتيان إلى موضع المبيت بعد الزوال (عليّ) بتشديد التحتية (نعمًا) بفتح النون والعين واحد الأنعام وأكثر ما يقع على الإبل (ثريًّا) بفتح المثلثة وكسر الراء وتشديد التحتية أي كثيرًا والثروة كثرة العدد وقول التنقيح كغيره وحقه أن يقول ثرية، ولكن وجهه بأن كل ما ليس بحقيقي التأنيث لك فيه وجهان في إظهار علامة التأنيث في الفعل واسم الفاعل والصفة أو تركها، تعقبه في المصابيح بأن هذا إنما هو بالنسبة إلى ظاهر غير الحقيقي التأنيث، وأما بالنسبة إلى ضميره فبالتأنيث قطعًا إلا في الضرورة مع التأويل وإلاّ فمثل قولك: الشمس طلع أو طالع ممتنع وعلى تقدير تسليم ذلك فلا يتمشى في هذا المحل فقد قال الفراء: إن النعم مذكر لا مؤنث يقولون هذا نعم وارد (وأعطاني من كل رائحة) من كل شيء يأتيه من أصناف الأموال التي تأتيه وقت الرواح (زوجًا) أي اثنين ولم يقتصر على الفرد من ذلك بل ثنّاه وضعفه إحسابًا إليها (وقال كلي) يا (أم زرع وميري أهلك) أي صليهم وأوسعي عليهم بالميرة وهي الطعام (قالت: فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع). وللطبراني فلو جمعت كل شيء أصبته منه فجعلته في أصغر وعاء من أوعية أبي زرع ما ملأه، والظاهر أنه للمبالغة وإلا فالإناء أو الوعاء لا يسع ما ذكرت أنه أعطاها من أصناف النِعم، والحاصل أنها وصفت هذا الثاني بالسؤدد في ذاته والثروة والشجاعة والفضل والجود لكونه أباح لها أن تأكل ما شاءت من ماله وتهدي ما شاءت لأهلها مبالغة في إكرامها، ومع ذلك لم يقع عندها موقع أبي زرع وأن كثيره دون قليل أبي زرع مع إساءة أبي زرع لها أخيرًا في تطليقها، ولكن حبها له بغّض إليها الأزواج لأنه أول أزواجها فسكنت عبته في قلبها كما قيل:

ما الحب إلا للحبيب الأول

ولذا كره أُولو الرأي تزوج امرأة لها زوج طلقها مخافة أن تميل نفسها إليه والحب يستر الإساءة. قال القاضي عياض: في كلام أم زرع من الفصاحة والبلاغة ما لا مزيد عليه فإنه مع كثرة فصوله وقلة فضوله مختار الكلمات، واضح السمات، نيّر القسمات، قد قدّرت ألفاظه قدر معانيه وقررت قواعده وشيدت مبانيه، وجعلت لبعضه في البلاغة موضعًا، وأودعته من البديع بدعًا، وإذا لمحت كلام التاسعة صاحبة العماد والنجاد ألفيتها لأفانين البلاغة جامعة فلا شيء أسلس من كلامها، ولا أربط من نظامها، ولا أطبع من سجعها، ولا أغرب من طبعها، وكأنما فقرها مفرغة في قالب واحد، ومحذوّة على مثال واحد، وإذا اعتبرت كلام الأولى وجدته مع صدق تشبيهه، وصقالة وجوهه، قد جمع من حسن الكلام أنواعًا، وكشف عن محيا البلاغة قناعًا، بل كلهن حسان الأسجاع، متفقات الطباع، غريبات الإبداع.

<<  <  ج: ص:  >  >>