(وقال الله تعالى: ﴿ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه﴾) عند الذبح (﴿وإنه﴾) وإن أكله (﴿لفسق﴾) وسقط لأبي ذر ﴿وإنه لفسق﴾ (والناسي لا يسمى فاسقًا) كما هو ظاهر من الآية لأن ذكر الفسق عقبه إن كان عن فعل المكلف وهو إهمال التسمية فلا يدخل الناسي لأنه غير مكلف فلا يكون فعله فسقًا وإن كان عن نفس الذبيحة التي لم يسم عليها وليست مصدرًا فهو منقول من المصدر والذبيحة المتروك التسمية عليها نسيانًا لا يصح تسميتها فسقًا إذ الفعل الذي نقل منه هذا الاسم ليس بفسق، فأما أن نقول لا دليل في الآية على تحريم المنسي فبقي على أصل الإباحة أو نقول فيها دليل من حيث مفهوم تخصيص النهي بما هو فسق فما ليس بفسق ليس بحرام قاله: صاحب الانتصاف من المالكية، وقال في المدارك: وظاهر الآية تحريم متروك التسمية وخصت حالة النسيان بالحديث أو يجعل الناس ذاكرًا تقديرًا ومن أول الآية بالميتة أو بما ذكر غير اسم الله عليه فقد عدل عن ظاهر اللفظ، ولعل المؤلّف أشار إلى الزجر عن الاحتجاج لجواز تلك التسمية بتأويل الآية وحملها على غير ظاهرها حيث قال:(وقوله) تعالى: (﴿وإن الشياطين) قال في اللباب إبليس وجنوده (﴿ليوحون﴾) ليوسوسون (﴿إلى أوليائهم﴾) من المشركين (﴿ليجادلوكم﴾) ليخاصموا محمدًا ﷺ وأصحابه بقولهم ما ذكر اسم الله عليه فلا تأكلوه وما لم يذكر اسم الله عليه فكلوه رواه أبو داود وابن ماجة والطبري بسند صحيح عن ابن عباس (﴿وإن أطعتموهم﴾) في استحلال ما حرمه الله (﴿إنكم لمشركون﴾)[الأنعام: ١٢١] لأن من اتبع غير الله في دينه فقد أشرك وبه من حق المتدين أن لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه لما في الآية من التشديد العظيم، وقال عكرمة: المراد بالشياطين مردة المجوس ليوحون إلى أوليائهم من مشركي قريش وذلك لأنه لما نزل تحريم الميتة سمعه المجوس من أهل فارس فكتبوا إلى قريش وكانت بينهم مكاتبة أن محمدًا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ثم يزعمون أن ما يذبحونه حلال وما يذبحه الله حرام فوقع في نفس ناس من المسلمين شيء من ذلك فأنزل الله هذه الآية.
والحاصل من اختلاف العلماء تحريم تركها عمدًا ونسيانًا وهو قول ابن سيرين والشعبي وطائفة من المتكلمين ورواية عن أحمد لظاهر الآية أو تخصيص التحريم بغير النسيان وهو مذهب الحنفية ومشهور مذهب المالكية والحنابلة لما سبق والإباحة مطلقًا عمدًا أو نسيانًا وهو مذهب الشافعية وروي عن مالك وأحمد محتجين بأن المراد من الآية الميتات وما ذبح على غير اسم الله لقوله تعالى: ﴿وإنه لفسق﴾ والفسق في ذكر غير اسم الله كما قال في آخر السورة: ﴿قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّمًا﴾ إلى قوله: ﴿أو فسقًا أهل لغير الله به﴾ [الأنعام: ١٤٥] وأجمع المسلمون على أنّه لا يفسق آكل ذبيحة المسلم التارك للتسمية، وأيضًا قوله: ﴿وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم﴾ فإن هذه المناظرة كانت في الميتة كما مرّ، وقال تعالى: ﴿وإن أطعتموهم إنكم لمشركون﴾ وهذا مخصوص بما ذبح على اسم النصب يعني لو رضيتم بهذه الذبيحة التي ذبحت على اسم إلهية الأوثان لقد رضيتم بإلهيتها وذلك يوجب الشرك. قال إمامنا الشافعي ﵀: فأوّل الآية وإن كان عامًّا بحسب الصيغة إلا أن آخرها لما حصلت فيه هذه القيود الثلاثة علمنا أن المراد