للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذكره في الكشاف أن خادمًا لها غاظها فقالت: لله در التقوى ما تركت لذي غيظ شفاء. قال في فتوح الغيب: جعلت الانتقام شفاء للغيظ تنبيهًا على أن الغيظ مرض لأنه عرض نفساني يجده الإنسان عند غليان دم قلبه تريد أن المتقي إذا كظم غيظه لا يمرض قلبه فلا يحتاج إلى التشفي أي لا غيظ له حتى يتشفى بالانتقام (﴿والعافين عن الناس﴾) إذا جنى عليهم أحد لم يؤاخذوه، وفي شعب البيهقي عن عمرو بن الحصين مرفوعًا إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش ليقم الذين كانت أجورهم على الله فلا يقوم إلا من عفا (﴿والله يحب المحسنين﴾) [آل عمران: ١٣٤] اللام للجنس فيتناول كل محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورون أو للعهد فالإشارة إليهم والإحسان أن تحسن إلى المسيء فإن الإحسان إلى المحسن مكافأة، والآية كما في اللباب من أقوى الدلائل على أن الله تعالى يعفو عن العصاة لأنه مدح الفاعلين لهذه الخصال وهو أكرم الأكرمين والعفوّ الغفور الحليم الآمر بالإحسان. فكيف يمدح بهذا الخصال ويندب إليها ولا يفعلها إن ذلك لممتنع في العقول، وقد سقط في رواية أبي ذر قولها ﴿والعافين﴾ إلى آخرها. وقال بعد قوله ﴿والكاظمين الغيظ﴾ الآية.

واستدلّ البخاري بآيتين للحذر من الغضب، لكن قال في فتح الباري: إنه ليس فيهما دليل على ذلك إلا أنه لما ضم من يكظم غيظه إلى من يجتنب الفواحش كان ذلك إشارة إلى المقصود، وتعقبه في عمدة القاري بأن في كل من الآيتين دلالة عليه لأن الأولى تمدح الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، وإذا كان مدحًا يكون ضده ذمًّا ومن المذموم عدم التجاوز عند الغضب فدلّ على التحذير من الغضب المذموم، وأما الآية الثانية ففي مدح المتقين الموصوفين بهذه الأوصاف فدلّ على أن ضدها مذموم فعدم كظم الغيظ وعدم العفو عين الغضب فدلّ على التحذير منه والله الموفق.

٦١١٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ».

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) الدمشقي التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله قال):

(ليس التشديد بالصرعة إنما التشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) فلا يغضب والصرعة بضم المهملة وفتح الراء وهو من أبنية المبالغة وكل ما جاء بهذا الوزن بالضم والفتح كهمزة ولمزة وحفظة وضحكة، والمراد بالصرعة من يصرع الناس كثيرًا بقوته فنقل إلى الذي يملك نفسه عند الغضب فإنه إذا ملكها كان قد قهر أقوى أعدائه وشر خصومه، ولذا قيل: أعدى عدوّ لك نفسك التي بين جنبيك، وهذا من الألفاظ التي نقلت عن موضوعها اللغوي لضرب من التوسع والمجاز

<<  <  ج: ص:  >  >>