للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهو من فصيح الكلام لأنه لما كان الغضبان بحالة شديدة من الغيظ وقد ثارت عليه شهوة الغضب فقهرها بحلمه وصرعها بثباته كان كالصرعة الذي يصرع الرجال ولا يصرعونه. وفي حديث ابن مسعود عند مسلم مرفوعًا "ما تعدون الصرعة فيكم"؟ قالوا: الذي لا يصرعه الرجال. وعند البزار بسند حسن عن أنس أن النبي مرّ بقوم يصطرعون فقال (ما هذا) قالوا: فلان ما يصارع أحدًا إلا صرعه. قال: "أفلا أدلكم على من هو أشد منه رجل كلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه".

وحديث الباب أخرجه مسلم في الأدب والنسائي في اليوم والليلة.

٦١١٥ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ النَّبِىُّ : «إِنِّى لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِىُّ قَالَ: إِنِّى لَسْتُ بِمَجْنُونٍ.

وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) أبو الحسن العبسي مولاهم الحافظ قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفيّ (عن عديّ بن ثابت) الأنصاري أنه قال: (حدّثنا سليمان بن صرد) بضم السين وصرد بضم الصاد وفتح الراء الخزاعي الكوفي الصحابي أنه (قال: استب رجلان) أي يسميا أي تشاتمًا (عند النبي ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه) يشتمه حال كونه (مغضبًا) بفتح الضاد المعجمة (قد احمرّ وجهه) من شدة الغضب (فقال النبي ):

(إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد) من الغضب (لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) لأن الشيطان هو الذي يزيد للإنسان الغضب فالاستعاذة من أقوى السلاح على دفع كيده (فقالوا) أي الصحابة (للرجل) وفي سنن أبي داود إنه معاذ بن جبل (ألا تسمع ما يقول النبي قال: إني لست بمجنون) أي يعلم أن الغضب نوع من مس الشيطان ولعله كما قال النووي من المنافقين أو من جفاة الأعراب.

والحديث سبق في صفة إبليس، وفي باب السباب واللعن، وفيه: أن الاستعاذة تعين على ترك الغضب، وكذا استحضار ما في كظم الغيظ من الفضل وما في عاقبة الغضب من الوعيد وأن يستحضر أن لا فاعل إلا الله وكل فاعل غيره فهو آلة له، فمن توجه إليه مكروه من غيره واستحضر أن لو شاء الله لم يمكن ذلك الغير منه اندفع غضبه لأنه لو غضب والحالة هذه كانت غضبه على ربه وهو خلاف العبودية، ولعل هذا هو السر في أمر الذي غضب بالاستعاذة لأنه إذا توجه إلى ربه حينئذ بالاستعاذة أمكنه استحضار ما ذكر والله الموفق.

<<  <  ج: ص:  >  >>