وبه قال:(حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا ابن مهدي) بفتح الميم عبد الرحمن (عن سفيان) الثوري (عن سلمة) بن كهيل (عن كريب) مولى ابن عباس (عن ابن عباس ﵄) أنه (قال: بت عند ميمونة) بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين خالة ابن عباس ﵃(فقام النبي ﷺ فأتى حاجته غسل) ولأبي ذر: فغسل (وجهه ويديه ثم نام ثم قام فأتى القِربة فأطلق شناقها) بكسر الشين المعجمة وبعد النون ألف فقاف رباطها (ثم توضأ وضوءًا بين وضوءَين) بضم الواو، ولأبي ذر بفتحها من غير تقتير ولا تبذير كما فسره بقوله (لم يكثر) بأن اكتفى بأقل من الثلاث في الغسل (وقد أبلغ) أوصل الماء إلى ما يجب إيصاله إليه (فصلّى فقمت فتمطيت) بالمثناة التحتية الساكنة وأصله تمطط أي تمدد وقيل هو من المطا وهو الظهر لأن المتمطي يمدّ مطاه أي ظهره (كراهية أن يرى)ﷺ(أني كنت أنقيه) بهمزة مفتوحة فنون ساكنة فقاف مكسورة فتحتية ساكنة كذا في الفرع مصلحة على كشط، ولأبي ذر في هامشه كأصله أرقبه براء ساكنة بعد همزة مفتوحة وبعد القاف موحدة ولم يرقم عليه في اليونينية، وفي الفتح أتقيه بمثناة فوقية مشددة وقاف مكسورة كذا للنسفي وطائفة. وقال الخطابي: أي أرتقبه. وفي رواية أتنقبه بتخفيف النون وتشديد القاف ثم موحدة من التنقيب وهو التفتيش، وفي رواية القابسي أبغيه بموحدة ساكنة بعدها غين معجمة مكسورة ثم تحتية أي أطلبه قال: والأكثر أرقبه وهي أوجه (فتوضأت فقام)ﷺ(يصلّي فقمت عن يساره فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه فتتامّت) بمثناتين تفاعل وهو لا يجيء إلا لازمًا أي تكاملت (صلاته ثلاث عشرة ركعة ثم اضطجع فنام حتى نفخ وكان)﵊(إذا نام نفخ فآذنه) بالمد أي أعلمه (بلال بالصلاة فصلّى ولم يتوضأ) لأنه تنام عينه ولا ينام قلبه ليعي الوحي إذا أوحي إليه في منامه (وكان يقول في) جملة (دعائه):
(اللهم اجعل في قلبي نورًا) يكشف لي عن المعلومات (وفي بصري نورًا) يكشف المبصرات (وفي سمعي نورًا) مظهرًا للمسموعات (وعن يميني نورًا وعن يساري) ولأبي ذر عن الكشميهني وعن شمالي (نورًا) وخص القلب والبصر والسمع بفي الظرفية لأن القلب مقر الفكرة في آلاء الله والبصر مسارح آيات الله المصونة والأسماع مراسي أنوار وحي الله ومحط آياته المنزلة وخص اليمين والشمال بعن إيذانًا بتجاوز الأنوار عن قلبه وسمعه وبصره إلى من عن يمينه وشماله من أتباعه قاله الطيبي (وفوقي نورًا وتحتي نورًا وأمامي نورًا وخلفي نورًا) ثم أجمل ما فصله بقوله (واجعل لي نورًا) فذلك لذلك وتوكيدًا له، وقد سأل ﷺ النور في أعضائه وجهاته ليزداد في أفعاله وتصرفاته ومتقلباته نورًا على نور فهو دعاء بدوام ذلك، فإنه كان حاصلاً له لا محالة أو هو تعليم لأمته.
وقال الشيخ أكمل الدين: أما النور الذي عن يمينه فهو المؤيد له والمعين على ما يطلبه من النور الذي بين يديه، والذي عن يساره نور الوقاية، والذي خلفه فهو النور الذي يسعى بين يدي من يقتدي به ويتبعه فهو لهم من بين أيديهم وهو له ﷺ من خلفه فيتبعونه على بصيرة، كما أن المتبع على بصيرة قال الله تعالى ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن﴾