الذي أوجد الدنيا وما فيها وجعل القلوب مائلة إليها، وإلى ذلك أشار بالتزيين ليدخل فيه حديث النفس ووسوسة الشيطان فنسبة ذلك إليه تعالى باعتبار الخلق والتقدير إلى الشيطان باعتبار ما أقدره الله تعالى عليه من التسلط على الآدمي بالوسوسة الناشئ عنها حديث النفس وقرأ مجاهد زين للناس مبنيًّا للفاعل حب مفعول به، والفاعل ضمير الله تعالى لتقدّم ذكره الشريف في قوله والله يؤيد بنصره من يشاء أو ضمير الشيطان أضمر وإن لم يجر له ذكر لأنه أصل ذلك فذكر هذه الأشياء مؤذن بذكره وأضاف المصدر لمفعوله في حب الشهوات وهي جمع شهوة بسكون العين فحرّكت في الجمع ولا يجوز التسكين إلا في ضرورة كقوله:
بتسكين الفاء والشهوة مصدر يراد به اسم المفعول أي المشتهيات فهو من باب رجل عدل حيث جعلت نفس المصدر مبالغة والشهوة ميل النفس إلى الشيء فجعل الأعيان التي ذكرها شهوات مبالغة في كونها مشتهاة كأنه أراد تخسيسها بتسميتها شهوات إذ الشهوة مسترذلة عند الحكماء مذموم من اتبعها شاهد على نفسه بالبهيمية فكأن المقصود من ذكر هذا اللفظ التنفير عنها ولفظ الناس عام دخله حرف التعريف فيفيد الاستغراق، فظاهر اللفظ يقتضى أن هذا المعنى حاصل لجميع الناس والعقل أيضًا يدل عليه لأن كل ما كان لذيذًا ونافعًا فهو مخبوب ومطلوب لذاته والمنافع قسمان جسماني وروحاني فالجسماني حاصل لكل أحد في أوّل الأمر فلا جرم كان الغالب على الخلق هو الميل الشديد إلى اللذات الجسمانية (﴿من النساء﴾) والإماء داخلة فيها (﴿والبنين﴾) جمع ابن وقد يقع في غير هذا الموضع على المذكور والإناث وهنا أريد المذكور لأنهم المشتهون في الطباع والمعدون في الدفاع وقدّم النساء لأن الالتذاذ بهن أكثر والاستئناس بهن أتم والفتنة بهن أشد ولله تعالى في إيجاد حب الزوجة والولد في قلب الإنسان حكمة بالغة لولا هذا الحب لما حصل التوالد والتناسل (﴿والقناطير﴾) جمع قنطار وهو المال الكثير أو سبعون ألف دينار أو سبعة آلاف دينار أو مائة وعشرون رطلاً أو مائة رطل أو ألف ومائتا أوقية (﴿المقنطرة﴾) مفعللة من القنطار وهو للتأكيد كقولهم ألوف مؤلفة ودراهم مدرهمة وقال قتادة: الكثير بعضها فوق بعض وقال: وقيل المدفونة (﴿من الذهب والفضة﴾) وإنما كانا محبوبين لأنهما ثمن الأشياء فمالكهما كالمالك لجميع الأشياء (﴿والخيل المسوّمة﴾) المعلمة أو المرعية من أسام الدابة وسوّمها (﴿والأنعام﴾) جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم (﴿والحرث﴾) مصدر واقع المفعول به فلذلك وحد ولم يجمع كما جمعت أخواته (﴿ذلك﴾) المذكور (﴿متاع الحياة الدنيا﴾)[آل عمران: ١٤] يتمتع به في الدنيا وقد تضمنت هذه الآية الكريمة أنواعًا من الفصاحة والبلاغة منها الإتيان بها مجملة ومنها جعله لها نفس الشهوات مبالغة في التنفير عنها كما مر ومنها البداءة بالأهم فذكر أوّلاً النساء لأنهن أكثر امتزاجًا ومخالطة بالإنسان وهن حبائل الشيطان وقيل فيهن فتنتان وفي البنين فتنة واحدة لأنهن يقطعن الأرحام والصلات بين الأهل غالبًا وهن سبب في جمع المال من حرام وحلال غالبًا والأولاد يجمع لأجلهم المال فلذلك ثنى بهم، ولأنهم فروع منهن وثمرات نشأت