في اليقظة ووجده في الخارج طبقًا لما رآه في المنام بالصبح في إنارته ووضوحه والفلق الصبح لكنه لما كان مستعملاً في هذا المعنى وفي غيره أضيف إليه للتخصيص والبيان إضافة العام إلى الخاص، وقال في شرح المشكاة: للفلق شأن عظيم ولذا جاء وصفًا لله تعالى في قوله: ﴿فالق الإصباح﴾ [الأنعام: ٩٦] وأمر بالاستعاذة برب الفلق لأنه ينبئ عن انشقاق ظلمة عالم الشهادة وطلوع تباشير الصبح بظهور سلطان الشمس وإشراقها الآفاق، كما أن الرؤيا الصالحة مبشرة تنبئ عن وفور أنوار عالم الغيب وإنارة مطالع الهدايات بسبب الرؤيا التي هي جزء يسير من أجزاء النبوة (فكان)ﷺ(يأتي حراء) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء ممدودة مذكر منصرف على الصحيح وقيل مؤنث غير منصرف (فيتحنث) بالحاء المهملة آخره مثلثة في غار (فيه وهو) أي التحنث (التعبد) بالخلوة ومشاهدة الكعبة منه والتفكر أو بما كان يلقى إليه من المعرفة (الليالي ذوات العدد) مع أيامهن والوصف بذوات العدد يفيد التقليل كدراهم معدودة، وقال الكرماني: يحتمل الكثرة إذ الكثير يحتاج إلى العدد وهو المناسب للمقام وإنما كان يخلو ﵊ بحراء دون غيره لأن جده عبد المطلب أول من كان يخلو فيه من قريش، وكانوا يعظمونه لجلالته وكبر سنّه فتبعه على ذلك فكان يخلو ﷺ بمكان جدّه وكان الزمن الذي يخلو فيه شهر رمضان فإن قريشًا كانت تفعله كما كان تصوم يوم عاشوراء (ويتزوّد لذلك) التعبد (ثم يرجع) إذا نفد ذلك الزاد (إلى خديجة)﵂(فتزوّده) ولأبي ذر عن الكشميهني فتزوّد بحذف الضمير (لمثلها) لمثل الليالي (حتى فجئه الحق) بفتح الفاء وكسر الجيم بعدها همزة أي جاءه الوحي بغتة وكأنه لم يكن متوقعًا للوحي قاله النووي، وتعقبه البلقيني سمي به لأن الله خصصه بالوحي (وهو)ﷺ(في غار حراء فجاءه الملك) جبريل ﵇ وفاء فجاءه تفسيرية أو تعقيبية أو سببية وحتى لانتهاء الغاية أي انتهى توجهه لغار حراء بمجيء جبريل (فيه) في الغار (فقال: اقرأ) وهل سلم قبل قوله اقرأ أم لا؟ الظاهر لا لأن المقصود إذ ذاك تفخيم الأمر وتهويله أو ابتداء السلام متعلق بالبشر لا الملائكة ووقوعه منهم على إبراهيم لأنهم كانوا في صورة البشر فلا يرد هنا ولا سلامهم على أهل الجنة لأن أمور الآخرة مغايرة لأمور الدنيا غالبًا، نعم في رواية الطيالسي إن جبريل سلم أولاً، لكن لم يرد أنه سلم عند الأمر بالقراءة قاله في الفتح (فقال له النبي ﷺ):
(ما أنا بقارئ) ولغير أبي ذر فقلت: ما أنا بقارئ أي ما أحسن أن أقرأ (فأخذني) جبريل (فغطّني) ضمني وعصرني (حتى بلغ مني الجهد) بفتح الجيم ونصب الدال مفعول حذف فاعله أي بلغ الغط مني الجهد وبضم الجيم ورفع الدال أي بلغ مني الجهد مبلغه فاعل بلغ (ثم أرسلني) أطلقني (فقال: اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخدني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فغطني) ولأبي ذر عن الكشميهني فأخذني فغطني (الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني) قال في شرح المشكاة قوله ما أنا بقارئ أي حكمي كسائر الناس من أن حصول القراءة إنما هو بالتعلم وعدمه بعدمه فلذلك أخذه وغطّه مرارًا ليخرجه عن حكم سائر الناس ويستفرغ منه البشرية ويفرغ فيه من صفات الملكية (فقال) له حينئذ لما علم المعنى (﴿اقرأ