لسان أنبيائه (﴿أن لا تعبدوا إلاّ إياه﴾) بيان لقوله إن الحكم (﴿ذلك﴾) الذي أدعوكم إليه من التوحيد وإخلاص العمل هو (﴿الدين القيم﴾) الحق المستقيم الذي أمر الله به وأنزل به الحجة والبرهان (﴿ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾) فلذا كان أكثرهم مشركين ثم عبر الرؤيا فقال (﴿يا صاحبي السجن أما أحدكما﴾) يعني الشرابي (﴿فيسقي ربه﴾) سيده (﴿خمرًا﴾) كما كان يسقيه قبل (﴿وأما الآخر﴾) يعني الخباز (﴿فيصلب فتأكل الطير من رأسه﴾) فقالا كذبنا فقال يوسف (﴿قضي الأمر الذي فيه تستفتيان﴾) فهو واقع لا محالة فإن الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت وفي مسند أبي يعلى الموصلي عن أنس مرفوعًا الرؤيا لأول عابر (﴿وقال للذي ظن أنه ناج منهما﴾) الظان يوسف ﵇ إن كان تأويله عن اجتهاد وإن كان عن وحي فالظان الشرابي أو الظن بمعنى اليقين وما تقدم في قوله قضي الأمر يقتضي اليقين (﴿اذكرني عند ربك﴾) اذكر قصتي عند سيدك وهو الملك لعله يخلصني من هذه الورطة، وقال أبو حيان ﵀ إنما قال يوسف للساقي ذلك ليتوصل إلى هدايته وإيمانه بالله كما توصل إلى إيضاح الحق للساقي ورفيقه (﴿فأنساه الشيطان﴾) أي أنسى الشرابي (﴿ذكر ربه﴾) أن يذكر يوسف للملك، وقيل فأنسى يوسف ذكر الله حتى ابتغى الفرج من غيره واستعان بمخلوق وعند ابن جرير عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ لو لم يقل يعني يوسف التي قال ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغي الفرج من عند غير الله، وهذا الحديث ضعيف جدًّا فإن في إسناد سفيان بن وكيع وهو ضعيف وإبراهيم بن يزيد الجوري وهو أضعف من سفيان فالصواب أن الضمير في قوله:(﴿فأنساه الشيطان﴾) عائد على الناجي كما قاله مجاهد وغير واحد (﴿فلبث﴾) يوسف ﵇(﴿في السجن بضع سنين﴾) ما بين الثلاث إلى التسع قال وهب: مكث يوسف سبعًا، وقال الضحاك عن ابن عباس اثنتي عشرة سنة، وقيل أربع عشرة سنة (﴿وقال الملك﴾) ملك مصر الريان بن الوليد (﴿إني أرى﴾) في المنام (﴿سبع بقرات سمان﴾) خرجن من نهر يابس (﴿يأكلهن سبع﴾) أي سبع بقرات (﴿عجاف﴾) مهازيل (﴿و﴾) أري (﴿سبع سنبلات خضر﴾) قد انعقد حبها (﴿و﴾) سبعًا (﴿أخر يابسات﴾) قد أدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها فاستعبرها فلم يجد في قومه من يحسن عبارتها قيل كان ابتداء بلاء يوسف ﵇ في الرؤيا ثم كان سبب نجاته أيضًا الرؤيا فلما دنا فرجه رأى الملك هذه الرؤيا التي هالته فجمع أعيان العلماء والحكماء من قومه وقص عليهم رؤياه فقال (﴿يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي﴾) عبروها (﴿إن كنتم للرؤيا تعبرون﴾) إن كنتم عالمين بعبارة الرؤيا واللام في للرؤيا للبيان (﴿قالوا أضعاث أحلام﴾) أي هذه أضغاث أحلام وهي تخاليطها (﴿وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين﴾) يعنون بالأحلام المنامات الباطلة أي ليس عندنا تأويل إنما التأويل للمنامات الصحيحة أو اعترفوا بقصور علمهم وإنهم ليسوا في تأويل الأحلام بنحارير (﴿وقال الذي نجا﴾) من القتل ﴿منهما) وهو الشرابي (﴿وادّكر بعد أمة﴾) للملك الذي جمعهم (﴿أنا أنبئكم﴾) أخبركم (﴿بتأويله﴾) بمن عنده علم تعبير هذا المنام (﴿فأرسلون﴾) فابعثون إليه لأسأله عنها فأرسلوه إلى يوسف في السجن فأتاه