قال ابن مالك: على هذا إطلاق أكثر النحويين إلا الرماني وابن الشجري قال: وقد يسّر لي في هذه المسألة زيادة وهي أن المبتدأ المذكور بعد لولا على ثلاثة أضرب: مخبر عنه بكون غير مقيد، ومخبر عنه بكون مقيد لا يدرك معناه عند حذفه، ومخبر عنه بكون مقيد يدرك معناه عند حذفه.
فالأول: نحو لولا زيد لزارنا عمرو فمثل هذا يلزم حذف خبره لأن المعنى لولا زيد على كل حال من أحواله لزارنا عمرو، فلم يكن حال من أحواله أولى بالذكر من غيرها فلزم الحذف لذلك ولما في الجملة من الاستطالة المحوجة إلى الاختصار.
الثاني: وهو المخبر عنه بكون مقيد ولا يدرك معناه إلا بذكره نحو لولا زيد غائب لم أزرك فخبر هذا النوع واجب الثبوت لأن معناه يجهل عند حذفه، ومنه قول النبي ﷺ:(لولا قومك حديثو عهد بكفر) أو حديث عهدهم بكفر فلو اقتصر في مثل هذا على المبتدأ لظن أن المراد لولا قومك على كل حال من أحوالهم لنقضت الكعبة، وهو خلاف المقصود لأن من أحوالهم بعد عهدهم بالكفر فيما يستقبل، وتلك الحال لا تمنع من نقض الكعبة وبنائها على الوجه المذكور ومن هذا النوع قال عبد الرحمن بن الحارث لأبي هريرة إني ذاكر لك أمرًا ولولا مروان أقسم عليّ لم أذكره لك.
الثالث: وهو المخبر عنه بكون مقيد يدرك معناه عند حذفه كقوله: لولا أخو زيد ينصره لغلب، ولولا صاحب عمرو يعينه لعجز فهذه الأمثلة وأمثالها يجوز فيها إثبات الخبر وحذفه اهـ.
وحينئذ فيكون قوله هنا: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم من القسم الأول ويحتاج إلى تقدير أي لولا مخافة أن أشق لأمرتهم أمر إيجاب وإلا لانعكس معناها إذ الممتنع المشقّة والموجود الأمر واللام جواب لولا.
واستشكل مطابقة الحديث للترجمة إذ هي للو الذي هو لامتناع الشيء لامتناع غيره والحديث فيه: لولا الذي هو لامتناع الشيء لوجود غيره اللازم بعدها المبتدأ ولا يخفى ما بينهما من البون البعيد. وأجيب: بأن ما آل لولا إلى لو إذ معناه لو لم تكن المشقّة لأمرتهم.
وبه قال:(حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن جعفر بن ربيعة) الكندي (عن عبد الرحمن) بن هرمز الأعرج أنه قال: (سمعت أبا هريرة ﵁ يقول إن رسول الله ﷺ قال:
(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك) أمر إيجاب وتحتم وإلا فالمندوب مأمور به على