للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يفصم من باب ضرب يضرب، والمراد قطع الشدة أي يقلع وينجلي ما يغشاني من الكرب والشدة، ويروى فيفصم بضم الياء وكسر الصاد من أفصم المطر إذا أقلع، رباعي قال في المصابيح: وهي لغة قليلة، وفي رواية أخرى في اليونينية فيفصم بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول والفاء عاطفة والفصم القطع من غير بينونة، فكأنه قال: إن الملك يفارقني ليعود إليّ (وقد وعيت) بفتح العين أي فهمت وجمعت وحفظت (عنه) عن الملك (ما قال) أي القول الذي قاله فحذف العائد وكل من الضميرين المجرور والمرفوع يعود على الملك المفهوم مما تقدم. فإن قلت: صوت الجرس مذموم لصحة النهي عنه كما في مسلم وأبي داود وغيرهما، فكيف يشبه به ما يفعله الملك به مع أن الملائكة تنفر عنه؟ أجيب: بأنه يلزم من التشبيه تساوي المشبه بالمشبه به في الصفات كلها، بل يكفي اشتراكهما في صفة ما. والمقصود هنا بيان الجنس، فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريبًا لإفهامهم. والحاصل أن الصوت له جهتان: جهة قوّة وجهة طنين، فمن حيث القوّة وقع التشبيه به ومن حيث الطنين وقع التنفير عنه. وقال الإمام فضل الله التوريشتي بضم الفوقية وسكون الواو بعدها راء فموحدة مكسورتان ثم شين محجمة ساكنة ففوقية مكسورة لما سئل عن كيفية الوحى، وكان من المسائل العويصة التي لا يماط نقاب التعزز عن وجهها لكل أحد، ضرب لها في الشاهد مثلا بالصوت المتدارك الذي يسمع ولا يفهم منه شيء تنبيهًا على أن إتيانها يرد على القلب في هيبة الجلال وأبّهة الكبرياء، فتأخذ هيبة الخطاب حين ورودها بمجامع القلب، ويلاقي من ثقل القول ما لا علم له به بالقول مع وجود ذلك، فإذا سرّي عنه وجد القول المنزل بينًا ملقى في الروع واقعًا موقع المسموع، وهذا معنى فيفصم عني وقد وعيت، وهذا الضرب من الوحي شبيه بما يوحى إلى الملائكة على ما رواه أبو هريرة عن النبي ، قال: إذا قضى الله في السماء أمرًا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنها سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العليّ الكبير اهـ.

وقد روى الطبراني وابن أبي عاصم من حديث النوّاس بن سمعان مرفوعًا: "إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة أو رعدة شديدة من خوف الله تعالى، فإذا سمع أهل السماء صعقوا وخرّوا سجّدًا فيكون أوّلهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد فينتهي به إلى الملائكة، كلما مر بسماء سأله أهلها ماذا قال ربنا قال الحق فينتهي به حيث أمره الله من السماء والأرض".

وروى ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعًا: "إذا تكلم الله بالوحي يسمع أهل السماء صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون، وعند ابن أبي حاتم عن العوفي عن ابن عباس وقتادة أنهما فسّرا آية ﴿إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ: ٢٣] بابتداء إيحاء الله إلى محمد بعد الفترة التي كانت بينه وبين عيسى.

<<  <  ج: ص:  >  >>