لملك ولا نبي أن يتكلم في ذلك اليوم إلا بإذنه وأن يشفع إلا لمن ارتضى. وقال في الفتح: وأظن البخاري أشار بهذا إلى ترجيح قول من قال إن الضمير في قوله عن قلوبهم للملائكة وأن فاعل الشفاعة في قوله: ولا تنفع الشفاعة هم الملائكة بدليل قوله بعد وصف الملائكة ﴿ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون﴾ [الأنبياء: ٢٨] بخلاف قول من زعم أن الضمير للكفار المذكورين في قوله تعالى: ﴿ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه﴾ [سبأ: ٢٠] كما نقله بعض المفسرين، وزعم أن المراد بالتفزيع حالة مفارقة الحياة ويكون اتباعهم إياه مستصحبًا إلى يوم القيامة على طريق المجاز والجملة من قوله: قل أدعو الخ معترضة وحمل هذا القائل على هذا الزعم أن قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم غاية لا بدّ لها من مغيًا فادّعى أنه ما ذكره، وقال بعض المفسّرين من المعتزلة: المراد بالزعم الكفر في قوله زعمتم أي تماديتم في الكفر إلى غاية التفزيع، ثم تركتم زعمكم وقلتم قال الحق، وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة. ويفهم من سياق الكلام أن هناك فرعًا ممن يرجو الشفاعة هل يؤذن له في الشفاعة أم لا فكأنه قال: يتربصون زمانًا فزعين حتى إذا كشف الفزع عن الجميع بكلام يقوله الله في إطلاق الإذن تباشروا بذلك، وسأل بعضهم بعضًا: ﴿ماذا قال ربكم قالوا الحق﴾ أي القول الحق وهو الإذن في الشفاعة لمن ارتضى.
قال الحافظ ابن حجر: وجميع ذلك مخالف لهذا الحديث الصحيح ولأحاديث كثيرة تؤيده، والصحيح في إعرابها ما قاله ابن عطية وهو أن المغيا محدود كأنه قيل ولا هم شفعاء كما تزعمون بل هم عنده ممسكون لأمره إلى أن يزول الفزع عن قلوبهم والمراد بهم الملائكة، وهو المطابق للأحاديث الواردة في ذلك فهو المعتمد وغرض المؤلف من ذكر هذه الآية بل من الباب كله إثبات كلام الله القائم بذاته تعالى، ودليله أنه قال: ماذا قال ربكم (ولم يقل ماذا خلق ربكم)؟ وهذا أول باب ذكره المؤلف في مسألة الكلام وهي مسألة طويلة وقد تواتر بأنه تعالى متكلم عن الأنبياء، ولم يختلف في ذلك أحد من أرباب المِلَل والمذاهب وإنما الخلاف في معنى كلامه وقدمه وحدوثه، فعند أهل الحديث أن كلامه ليس من جنس الأصوات والحروف بل صفة أزلية قائمة بذاته تعالى منافية للسكوت الذي هو ترك التكلم مع القدرة عليه والآفة التي هي عدم مطاوعة الآلة إما بحسب الفطرة كما في الخرس أو بحسب صفتها وعدم بلوغها حدّ القوّة كما في الطفولية هو بها آمر ناهٍ مخبر وغير ذلك يدل عليها بالعبارة أو الكتابة أو الإشارة، فإذا عبّر عنها بالعربية فقرآن وبالسريانية فإنجيل، وبالعبرانية فتوراة، والاختلاف على العبارات دون المسمى كما إذا ذكر الله بالسنة متعددة ولغات مختلفة. والحاصل أنه صفة واحدة تتكثر باختلاف التعلقات كالعلم والقدرة وسائر الصفات فإن كلاًّ منها واحدة قديمة، والتكثر والحدوث إنما هو في التعلقات والإضافات لما أن ذلك أليق بكمال التوحيد ولأنه لا دليل على تكثّر كلٍّ منها في نفسها، وقد خالف جميع الفرق وزعموا أنه لا معنى للكلام إلا المنتظم من الحروف المسموعة الدالة على المعاني المقصودة وأن الكلام النفسي غير معقول، ثم قالت الحنابلة والحشوية إن تلك الأصوات والحروف مع تواليها وترتّب بعضها على بعض، وكون الحرف الثاني من كل كلمة مسبوقًا بالحرف المتقدّم عليه كانت