ثابتة في الأزل قائمة بذات الباري تعالى وتقدس، وإن المسموع من أصوات القراء، والمرئي من أسطر الكتاب نفس كلام الله في كلام طويل.
وتحقيق الكلام بينهم وبين أهل السُّنَّة يرجع إلى إثبات الكلام النفسي ونفيه وإلاّ فأهل السُّنَّة لا يقولون بقِدَم الألفاظ والحروف وهم لا يقولون بحدوث كلام نفسي، واستدلّ أهل السُّنّة على قِدَم كلامه تعالى وكونه نفسيًّا لا حسيًّا بأن المتكلم مَن قام به الكلام لا مَن أوجد الكلام ولو في محل آخر للقطع بأن موجد الحركة في جسم آخر لا يسمى متحركًا، وأن الله تعالى لا يسمى بخلق الأصوات مصوتًا. وأما إذا سمعنا قائلاً يقول أنا قائم فنسميه متكلمًا وإن لم نعلم أنه الموجد لهذا الكلام، بل وإن علمنا أن موجده هو الله تعالى كما هو رأي أهل الحق، وحينئذٍ فالكلام القائم بذات الباري تعالى لا يجوز أن يكون هو الحسيّ أعني المنتظم من الحروف المسموعة لأنه حادث ضرورة أن له ابتداء وانتهاء وإن الحرف الثاني من كل كلمة مسبوق بالأول ومشروط بانقضائه، وأنه يمتنع اجتماع أجزائه في الوجود وبقاء شيء منها بعد الحصول والحادث يمتنع قيامه بذات الباري تعالى فتعين النفسي القديم.
وقال البيهقي في كتاب الاعتقاد: القرآن كلام الله وكلام الله صفة من صفات ذاته وليس شيء من صفات ذاته مخلوقًا ولا محدثًا ولا حادثًا قال تعالى: ﴿الرحمن علّم القرآن خلق الإنسان﴾ [الرحمن: ١ - ٣] فخص القرآن بالتعليم لأنه كلامه وصفته وخصّ الإنسان بالتخليق لأنه خلقه ومصنوعه ولولا ذلك لقال خلق القرآن والإنسان في آيات أوردها دالّة على ذلك لا نطيل بها.
(وقال) الله (جل ذكره: ﴿من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه﴾ [البقرة: ٢٥٥]) أي ليس لأحد أن يشفع عنده لأحد إلا بإذنه ومن وإن كان لفظها استفهامًا فمعناها النفي ولذا دخلت إلا في قوله إلا بإذنه وعنده متعلق بيشفع أو بمحذوف لكونه حالاً من الضمير في يشفع أي يشفع مستقرًّا عنده وقوي هذا الوجه بأنه إذا لم يشفع عنده من هو عنده وقريب منه فشفاعة غيره أبعد وهذا بيان لملكوته وكبريائه وأن أحدًا لا يتمالك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن له في الكلام وفيه ردّ لزعم الكفار أن الأصنام تشفع لهم.
(وقال مسروق) هو ابن الأجدع مما وصله البيهقي في الأسماء والصفات من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح وهو أبو الضحى عن مسروق (عن ابن مسعود) عبد الله ﵁(إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات شيئًا) ولفظ البيهقي وهو عند أحمد سمع أهل السماء صلصلة كجرّ السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم (فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت) بالنون بعد الكاف الخفيفة الصوت المخلوق لا سماع أهل السماوات والأدلة ناطقة بتنزيه الباري جل وعلا عن الصوت المستلزم للحدوث، ولأبي ذر عن الكشميهني: وثبت الصوت بمثلثة فموحدة ففوقية (عرفوا أنه الحق من ربكم) بالكاف وسقطت لغير أبي ذر (ونادوا ماذا قال ربكم)؟ لأنهم سمعوا قولاً ولم