المخلوقات ولا يجوز أن يكون خلقناه صفة لشيء لأن الصفة والصلة لا يعملان فيما قبل الموصوف ولا الموصول ولا يكونان تفسيرًا لما يعمل فيما قبلهما، فإذا لم يبق خلقناه صفة لم يبق إلا أنه تأكيد وتفسير للمضمر الناصب وذلك يدل على العموم، وقد نازع الرضى ابن الحاجب في قوله السابق فقال المعنى في الآية لا يتفاوت بجعل الفعل خبرًا أو صفة وذلك لأن مراد الله تعالى بكل شيء كل مخلوق نصبت كل أو رفعته سواء جعلت خلقناه صفة كل مع الرفع أو خبرًا عنه وذلك أن قوله خلقنا كل شيء بقدر لا يريد به خلقنا كل ما يقع عليه اسم شيء لأنه تعالى لم يخلق الممكنات غير المتناهية ويقع على كل واحد منها اسم شيء فكل شيء في هذه الآية ليس كما في قوله تعالى والله على كل شيء قدير لأن معناه أنه قادر على كل ممكن غير متناهٍ فإذا تقرر هذا قلنا إن معنى كل شيء خلقناه بقدر على أن خلقناه هو الخبر كل مخلوق مخلوق بقدر وعلى أن خلقناه صفة كل شيء مخلوق كائن بقدر والمعنيان واحد إذ لفظ كل شيء في الآية مختص بالمخلوقات سواء كان خلقناه صفة له أو خبرًا وليس مع التقدير الأول أعم منه مع التقدير الثاني كما في مثالنا.
(ويقال) بضم أوله (للمصورين) يوم القيامة ولأبي ذر عن الكشميهني: ويقول أي الله أو الملك بأمره تعالى (أحيوا) بفتح الهمزة (ما خلقتم) أسند الخلق إليهم على سبيل الاستهزاء والتعجيز والتشبيه في الصورة فقط وقال ابن بطال إنما نسب خلقها إليهم تقريعًا لهم لمضاهاتهم الله تعالى في خلقه فبكّتهم بأن قال إذ شابهتم بما صوّرتم مخلوقات الله تعالى فأحيوها كما أحيا هو جل وعلا ما خلق.
وقال في الكواكب: أسند الخلق إليهم صريحًا وهو خلاف الترجمة لكن المراد كسبهم فأطلق لفظ الخلق عليه استهزاء أو ضمن خلقتم معنى صوّرتم تشبيهًا بالخلق أو أطلق بناءً على زعمهم فيه.
(﴿إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام﴾) أي في ستة أوقات أو مقدار ستة أيام فإن المتعارف زمان طلوع الشمس إلى غروبها ولم يكن حينئذٍ وفي خلق الأشياء تدريجيًّا مع القدرة على إيجادها دفعة دليل على الاختيار واعتبار للنظار وحثّ على التأني في الأمور (﴿ثم استوى على العرش﴾) الاستواء افتعال من السواء والسواء يكون بمعنى العدل والوسط وبمعنى الإقبال كما نقله الهروي عن الفراء وتبعه ابن عرفة بمعنى الاستيلاء، وأنكره ابن الأعرابي. وقال الحرب: لا تقول استولى إلا لمن له مضادّ وفيما قاله نظر فإن الاستيلاء من الولاء وهو القرب أو من الولاية وكلاهما لا يفتقر في إطلاقه لمضادّ، وبمعنى اعتدل وبمعنى علا وإذا علم هذا فينزل على ذلك الاستواء الثابت للباري تعالى على الوجه اللائق به وقد ثبت عن الإمام مالك أنه سئل كيف استوى؟ فقال: كيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة فقوله: كيف غير معقول أي كيف من صفات الحوادث وكل ما كان من صفات الحوادث فإثباته في صفات الله تعالى ينافي ما يقتضيه العقل فيجزم بنفيه عن الله تعالى وقوله والاستواء غير مجهول أي أنه معلوم المعنى عند أهل اللغة والإيمان به على الوجه اللائق به تعالى واجب لأنه من