أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون * هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنّا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون﴾ [الجاثية: ٢٨، ٢٩] فكذلك وزنه تعالى لأعمال خلقه بالميزان حجة عليهم ولهم إما بالتقصير في طاعته والتضييع وإما بالتكميل والتتميم وإظهار لكرمه وعفوه ومغفرته وحلمه مع قدرته بعد اطّلاع كل أحد منّا على مساويه ومسامحته له وغفرانه وإدخاله إياه الجنة بعد معصيته.
وحكى الزركشي عن بعضهم أن رجحان الوزن في الآخرة بصعود الراجح عكس الوزن في الدنيا واستند في ذلك إلى قوله تعالى: ﴿إليه يصعد الكلم الطيب﴾ [فاطر: ١٠] الآية. وهو غريب مصادم لقوله تعالى: ﴿فأما من ثقلت موازينه﴾ [القارعة: ٦] الآية. وقد جاء أن كفّة الحسنات من نور والأخرى من ظلام وأن الجنة توضع عن يمين العرش والنار عن يساره ويؤتى بالميزان فينصب بين يدي الله ﷿ كفّة الحسنات عن يمين العرش مقابلة الجنة وكفّة السيئات عن يسار العرش مقابلة النار ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وأبو القاسم اللالكائي في سُننه، وعن حذيفة موقوفًا: إن صاحب الميزان يوم القيامة جبريل ﵇، وعند البيهقي عن أنس مرفوعًا قال: ملك الموت موكل بالميزان.
وفي الطبراني الصغير من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: يقول الله أي يوم القيامة يا آدم قد جعلتك حكمًا بيني وبين ذريّتك قم عند الميزان فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم فمن رجح منهم خيره على شره مثقال ذرة فله الجنة حتى تعلم أني لا أُدخل منهم النار إلا ظالمًا. الحديث. قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد تفرّد به عبد الأعلى.
وعند الحاكم عن سلمان مرفوعًا يوضع الميزان يوم القيامة فلو آوى فيه السماوات والأرض لوضعت فتقول الملائكة: يا رب لم تزن بهذا؟ فيقول الله تعالى: لمن شئت من خلقي. فتقول الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
وعند صاحب الفردوس وابنه أبي منصور الديلمي عن عائشة مرفوعًا: خلق الله ﷿ كفّتي الميزان مثل أو ملء السماوات والأرض فقالت الملائكة: يا ربنا ما تزن بهذا؟ قال: أزن به من شئت من خلقي، وقيل سأل داود ﵇ ربه ﷿ أن يُرِيه الميزان فلما رآه أغمي عليه من هوله ثم أفاق فقال: إلهي من يقدر على ملء كفّة هذا الميزان حسنات؟ فقال الله تعالى: يا داود إني إذا رضيت على عبدي ملأته بتمرة واحدة، يا داود أملؤها بكلمة لا إله إلا الله، ثم إن ظاهر قول البخاري: وإن أعمال بني آدم وقولهم يوزن التعميم وليس كذلك بل خصّ منهم من يدخل الجنة بغير حساب وهم السبعون ألفًا، كما في البخاري فإنه لا يرفع لهم ميزان ولا يأخذون صحفًا وإنما هي براءات مكتوبة كما قاله الغزالي، وكذلك من لا ذنب له إلا الكفر فقط ولم يعمل حسنة فإنه يقع في النار من غير حساب ولا ميزان. وفي البخاري مرفوعًا: إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة واقرؤوا إن شئتم ﴿فلا نقيم لهم