(و) الله (الذي نفسي بيده) أي بتقديره وتدبيره (لقد هممت) هو جواب القسم، أكده باللام وقد، والمعنى لقد قصدت (أن آمر بحطب فيحطب) بالفاء وضم المثناة التحتية وبعد الحاء الساكنة طاء مبنيًّا للمفعول منصوبًا عطفًا على المنصوب المتقدم، وكذا الأفعال الواقعة بعده. وللحموي والمستملي: ليحطب، بلام التعليل، ولابن عساكر وأبي ذر. يتحطب، بضم التحتية وفتح الفوقية والطاء، ولابن عساكر أيضًا فيحطب، بالفاء وتشديد الطاء. ولأبي الوقت: فيتحطب، بالفاء ومثناة فوقية مفتوحة بعد التحتية المضمومة وتشديد الطاء أيضًا، وفي رواية: فيحتطب، بالفاء ومثناة فوقية مفتوحة بعد الحاء الساكنة. وحطب واحتطب بمعنى واحد، قال في الفتح: أي يكسر ليسهل اشتعال النار به، وتعقبه العيني بأنه لم يقل أحد من أهل اللغة إن معنى يحطب يكسر، بل المعنى يجمع (ثم آمر) بالمد وضم الميم (بالصلاة) العشاء أو الفجر أو الجمعة أو مطلقًا، كلها روايات ولا تضاد لجواز تعدد الواقعة (فيؤذن لها) بفتح الذال المشددة، أي يعلم الناس لأجلها. والضمير مفعول ثانٍ، (ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف) المشتغلين بالصلاة قاصدًا (إلى رجال) لم يخرجوا إلى الصلاة (فأحرّق عليهم بيوتهم) بالنار عقوبة لهم، وقيد بالرجال ليخرج الصبيان والنساء، ومفهومه أن العقوبة ليست قاصرة على المال بل المراد تحريق المقصودين وبيوتهم، وأحرّق بتشديد الراء وفتح القاف وضمها كسابقه وهو مشعر بالتنكير والمبالغة في التحريق.
وبهذا استدلّ الإمام أحمد ومن قال: إن الجماعة فرض عين لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية لكان قيامه ﵊ ومن معه بها كافيًا.
وإلى هذا ذهب عطاء والأوزاعي وجماعة من محدثي الشافعية، كابني خزيمة، وحبان، وابن المنذر وغيرهم من الشافعية، لكنها ليست بشرط في صحة الصلاة كما قاله في المجموع.
وقال أبو حنيفة ومالك: هي سُنَّة مؤكدة، وهو وجه عند الشافعية لقوله ﵊ فيما رواه الشيخان: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، ولمواظبته ﷺ عليها بعد الهجرة.
وقرأت في شرح المجمع لابن قرشتاه مما عزاه العيني لشرح الهداية. وأكثر المشايخ على أنها واجبة وتسميتها سُنّة لأنه ثابت بالسُّنَّة اهـ.
وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية وعليه جمهور أصحابه المتقدمين، وصحّحه النووي في المنهاج كأصل الروضة، وبه قال بعض المالكية، واختاره الطحاوي والكرخي وغيرهما من الحنفية لحديث أبي داود، وصحّحه ابن حبّان وغيره: ما من ثلاثة في قرية أو بلد ولا تقام فيه الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان أي غلب.
ويمكن أن يقال التهديد بالتحريق وقع في حق تاركي فرض الكفاية لمشروعية قتال تاركي فرض الكفاية.