وأجيب عن حديث الباب بأنه همّ ولم يفعل، ولو كانت فرض عين لما تركهم، أو أن فرضية الجماعة نسخت، أو أن الحديث ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون، ما يدل عليه السياق. فليس التهديد لترك الجماعة بخصوصه فلا يتم الدليل. وتعقب بأنه يبعد اعتناؤه ﵊ بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع علمه بأنه لا صلاة لهم. وقد كان ﵊ معرضًا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم.
وأجيب بأنه لا يتم إلاّ أن أدّعي أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبًا عليه ولا دليل على ذلك ْوإذا ثبت أنه كان مخيرًا فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم. وفي قوله في الحديث الآتي، إن شاء الله، بعد أربعة أبواب: ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر، دلالة على أنه ورد في المنافقين. لكن المراد نفاق المعصية لا نفاق الكفر كما يدل عليه حديث أبي هريرة المروي في أبي داود، ثم آتي قومًا يصلون في بيوتهم ليست بهم علة. نعم سياق حديث الباب يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلّف عنها.
ومحل الخلاف إنما هو في غير الجمعة، أما هي فالجماعة شرط في صحتها وحينئذ فتكون فيها فرض عين. ثم إن التقييد بالرجال في قوله: ثم أخالف إلى رجال، يخرج الصبيان والنساء فليست في حقهن فرضًا جزمًا، والخلاف السابق في المؤداة.
أما المقضية فليست الجماعة فيها فرض عين ولا كفاية، ولكنها سنة لأنه ﵊ صلّى بأصحابه الصبح جماعة حين فاتتهم بالوادي.
ثم أعاد ﵊ القسم للمبالغة في التأكيد فقال:
(و) الله (الذي نفسي بيده) بتقديره (لو يعلم أحدهم) أي المتخلفين (أنه يجد عرقًا سمينًا) بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالقاف: العظم الذي عليه بقية لحم أو قطعة لحم (أو مرماتين حسنتين) بكسر الميم وقد تفتح، تثنية مرماة: ظلف الشاة أو ما بين ظلفها من اللحم كذا عن البخاري فيما نقله المستملي في روايته في كتاب الأحكام عن الفربري، أو اسم سهم يتعلم عليه الرمي (لشهد العشاء) أي صلاتها. فالمضاف محذوف.
والمعنى لو علم أنه لو حضر الصلاة يجد نفعًا دنيويًّا وإن كان خسيسًا حقيرًا لحضرها لقصور همّته على الدنيا، ولا يحضرها لما لها من مثوبات الأخرى ونعيمها، فهو وصف بالحرص على الشيء الحقير من مطعوم أو ملعوب به، مع التفريط فبما يحصل به رفيع الدرجات ومنازل الكرامات، ووصف العرق بالسمن والمرماة بالحسن ليكون ثم باعث نفساني على تحصيلهما، واستنبط من قوله: لقد هممت، تقديم التهديد والوعيد على العقوبة، وسرّه أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزواجر اكتفى به على الأعلى، وبقية المباحث المتعلقة بالحديث تأتي في محالها إن شاء الله تعالى.