هذا المعنى قد استوفاه النابغة في مدحه غسان وقد مر ذكره. يقول: لهذا الممدوح عسكرًا خيلٍ وطيرٍ؛ أي تتبع عسكره الطير لتأكل من القتلى, وهي تأكل اللحم وتدع الجماجم لأنها عظام.
وقوله:
أجلتها من كل طاغٍ ثيابه ... وموطئها من كل باغٍ ملاغمه
يقول: ثياب أعدائه تصير أجلةً لخيله وموطئها من الطغاة ملاغمهم. والملاغم ما حول الفم والأنف. يقال: تلغم فلان بالطيب إذا وضعه في ذلك الموضع. قال أبو حية النميري:[الطويل]
ولكنه والله ما طل مسلمًا ... كغر الثنايا واضحات الملاغم
وقوله:
فقد مل ضوء الصبح مما تغيره ... ومل سواد الليل مما تزاحمه
أراد: تغير فيه. وأكثر ما تكون الغارة في الصبح؛ ولذلك قالوا في كلامهم: يا صباحاه, لأن الغارة تجيئهم في ذلك الوقت, فإن استعاروا الغارة لليل فإنما ذلك نادر, وإنما قيل لها غارة من قولهم: أغار إذا عدا عدوًا شديدًا. قال عبيد الله بن قيس الرقيات في صفة الخيل:[الخفيف]
بدلت بالشعير والقت والمـ ... ـحض ومسح الغلام تحت الجلال
غارة الليل والنهار فما تصـ ... ـبح إلا معدةً للقتال
وقوله:
ومل القنا مما تدق صدوره ... ومل حديد الهند مما تلاطمه
هذه كلها استعارات تستحسن في الشعر ولا حقيقة لها في الأصل, لأن الصبح لا يمل الغارة والليل لا يمل سراها فيه, ولا حس للرماح فتمل حطمها في الطعان, وحديد الهند غير عالمٍ بالضراب.