يريد أن سيفه قد ظغت شفرتاه في قتل الناس, وكل شيء زاد فزيادته مؤدية إلى هلكه فهو طاغٍ. وفي التنزيل: {إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية}. وادعى أن سيفه محكم على الهام, وهو مع ذلك جائر في الحكومة, وإنما ينبغي أن يحكم المنصف, وهذا لفظ يحتمله الشعر, ولا حكم للسيف وإنما هو لمن يضرب به.
وقوله:
تحرج من حقن الدماء كأنه ... يرى قتل نفسٍ ترك رأسٍ علم جسم
في «تحرج» ضمير يرجع إلى السيف, وجاء بكأنما بعد ذلك فخفف بالتشبيه ما أفرط فيه من الكذب؛ لأنه التشبيه لم يحكم بوقوعه.
وقوله:
وجدنا ابن إسحق الحسين كحده ... على كثرة القتلى بريئًا من الإثم
الهاء في «حده» راجعة إلى السيف, وذكر أن الممدوح لا يقتل أحدًا إلا باستحقاق, فهو برريء من الإثم, كما أن سيفه لا ذنب له.
وقوله:
مع الحزم حتى لو تعمد تركه ... لألحقه تضييعه الحزم بالحزم
أصل الحزم: شد الشيء كالثياب ونحوها إذا أرادوا أن يحفظوها. يقال: حزم الشيء, فهو محزوم, ثم استعمل ذلك في جودة الرأي وترك التفريط. يقال: لإلان حازم إذا كان يحكم أموره ولا يغفل عن فعلٍ يجلب إليه صلاحًا, والمصدر من الحازم: الحزامة والحزومة. قال الشاعر: [المتقارب]
وأن الحزامة أن تصرفوا ... لحي سوانا صدور الأسل
وأصل الحزم: التعدي؛ إلا أنه لما نقل إلى الرجل بطل تعديه. يقول: هذا الممدوح لا يفارقه الحزم فلو ضيعه لصيره ذلك إليه. قال الشاعر: [الطويل]
دعوت أبا أروى إلى الرأي كي يرى ... برأيٍ أصيلٍ أو يعود إلى حلم