يقول: لصاحبيه: ذراني وجوب الفلاة, ولا دليل معي فإني عارف بالمسالك, واتركا وجهي يعاني الهجير, ولا لثام عليه, فإني أستريح بالفلاة, وهذا, أي: الهجير. وادعى في هذا البيت ما يشهد العقل أن الأمر بخلافه, وذلك مستحسن في رأي الشعراء.
وقوله:
عيون رواحلي إن حرن عيني ... وكل بغام رازحةٍ بغامي
الناس يروون: حرت بالتاء, والنون أشبه؛ لأنه وصف نفسه فيما تقدم أنه لا يحتاج إلى دليل فوجب أن يقول: إن حارت رواحلي فعيني نائبة عن عيونها؛ لأنها تهديها السبيل. وكل بغام رازحةٍ بغامي؛ البغام أكثر ما يستعمل في الظباء, وربما استعمل في النوق. والناقة تحمد إذا تركت بغامي؛ البغام أكثر ما يستعمل في الظباء, وربما استعمل في النوق. والناقة تحمد إذا تركت البغام. قال الأعشى: [المتقارب]
كتوم البغام إذا هجرت ... وكانت بقية ذودٍ كتم
والرازحة التي تعجز عن القيام لضعفها وهزالها. يقول: عيني تنوب عن عيون رواحلي, وشكيتي الدهر تنوب عن بغامها في الهواجر؛ لأن بغامها في الهواجر إنما يكون عن التعب والأين. ومن روى: حرت بالتاء فله معنى صحيح إلا أنه ينافي قوله: ذراني والفلاة بلا دليل. ويكون المعنى إذا رويت حرت بالتاء معنى الدعاء والقسم, كما يقول الرجل للآخر: إن عبدك وإن فعلت كذا وكذا؛ كأنه يقول: إن فعلت كذا فأنا عبد لك؛ فينوب ذلك عن قوله: أقسم لا كان ما ذكرت, أو جعلني الله عبدك إن أجبتك إلى ما تريد, فيكون هذا القول في مذهب الدعاء, ويكون المراد بقوله: وكل بغام رازحةٍ بغامي؛ أي: إن حرت فكل بغام النوق التي تشكو الأين بغامي؛ أي إني لا أشكو. فكأنه أقام ذلك مقام اليمين أو مقام الدعاء على نفسه.
وقوله:
فقد أرد المياه بغير هادٍ ... سوى عدي لها برق الغمام
ذكر ابن الأعرابي في «النوادر» أن العرب كانوا إذا لاح البرق عدوا سبعين برقةً, فإذا كملت السبعون وثقوا بأنه برق ماطر فرحلوا يطلبون موقع الغيث. وأنشد غير ابن الأعرابي: [الطويل]