ويصدق وعدها والصدق شر ... إذا ألقاك في الكرب العظام
من شأن المحموم أن يراقب الوقت الذي تجيئه فيه الحمى فكأنه مشوق إليها؛ وإنما هو كاره للقائها. ووعدها صادق ليست تخلفه ولا تكذب فيه, وإذا ألقاك الصدق في الكرب العظام فهو شر من الكذب. وقد ذكرت العرب الحمى المنتابة, وشكا بعضهم أن أهله يقصرون في خدمته ويسأمونه. قال الراجز:[الرجز]
قد سئمتني طلتي وجارتي ... والبنت ملتني لما زارت
كأنها ما أخذت أثارتي ... تختار ما أودعه غرارتي
لا سعدت إن أنجذت أو غارت ... وليتها إلى القبور سارت
وقوله:
أبنت الدهر عندي كل بنتٍ ... فكيف وصلت أنت من الزحام
جعل الحمى بنتًا للدهر لأنها تحدث فيه فكأنها ولد له, ثم قال: عندي كل بنت, يعني كل بنتٍ للدهر؛ يريد أن شدائده متكاثرة لديه فكيف وصلت هذه من الزحام.
وقوله:
جرحت مجرحًا لم يبق فيه ... مكان للسيوف ولا السهام
يقول: ما بقي في موضع لسيفٍ أو سهمٍ؛ فما بقي في مكان لجرح يحدث, وفي هذا البيت شبه من قوله:[الوافر]
رماني الدهر بالأرزاء حتى ... فؤادي في غشاءٍ من نبال
ومن قول البحتري:[الوافر]
وهل يزداد من قتلٍ قتيل
وقوله:
ألا يا ليت شعر يدي أتمسي ... تصرف في عنانٍ أو زمام