فالعيس أعقل من قومٍ رأيتهم ... عما تراه من الإحسان عميانا
لما ذكر الإبل في البيت الأول شفعه بتفضيل العيس على قوم يراهم عما يفعله هذا الممدوح عميانًا لا يهتدون إليه. وأفعل إذا كان وصفاً فبابه أن يجمع على فعلٍ, مثل: أحمر وحمرٍ, وأصفر وصفرٍ, وأعمى وعميٍ, وبذلك جاء التنزيل لقوله تعالى:{صم بكم عمي}. والذين قالوا عند الضرورة: ورق في جمع أورق, وحمر في جمع أحرم, لا يفعلون ذلك في معنى عميٍ؛ لأنهم يتركون المعتل على حاله لمكان العلة, والحرف الصحيح أحمل لها من العليل, وربما قالوا: أحمر وحمران, وأصفر وصفران فجمعوه على فعلانٍ. وقالوا: قوم فرعان يريدون جمع أفرع (٢٢٥/ب) وهو الكثير الشعر, قال الشاعر:[الوافر]
أحب لحبها السودان حتى ... أحب لحبها سود الكلاب
وقوله:
ذاك الجواد وإن قل الجواد له ... ذاك الشجاع وإن لم يرض أقرانا
يقول: ذاك الجواد؛ يصفه بهذه الصفة وهو أشرف من ذلك وأجل لأنه يرتفع أن يوصف بما يوصف به غيره, وهو الشجاع وليس في العالم من يرضاه قرنًا له في الحرب.
وقوله:
ذاك المعد الذي تقنو يداه لنا ... فلو أصيب بشيء منه عزانا
المعد: الذي جعل الأشياء عدةً للعافين, فهو يقنو المال ليعطيه من يسأله, فلو أصيب بشيء منه لعزى العافين به؛ لأنه لم يذهب منه, وإنما ذهب من أيديهم. وقوله: عزانا؛ أي صلح أن يعزينا, إلا أنه لم ينطق بعزائهم؛ وهذا مثل قولك إذا رأيت الرجل قد وقع في شدة: هلك فلان, وهو لم يهلك بعد؛ وإنما يريد أنه قارب الهلكة.