يقول: كأن هؤلاء القوم علموا بالأشياء فكأنهم داروا في الدهر الأقدم قبل أن تولد شخوصهم, وكأن علمهم كان قبل كونه. وكان ها هنا في معنى حدث تكتفي باسمٍ واحد.
وقوله:
الخاطرين على أعدائهم أبداً ... من المحامد في أوقى من الجنن
(٢٣٢/أ) الجنن: جمع جنة, وهي ما تتقى به الحرب من درعٍ وغيرها. والخاطرين: جمع خاطرٍ من قولهم: خطر الرجل في مشيته إذا ظهر فيها بعض الاختيال؛ وذلك مما يحمل الصديق على أن يتكلم في الإنسان. وهؤلاء القوم يمرون بأعدائهم وهم خاطرون؛ فلا يقدر عدو أن يعيبهم بكلمةٍ؛ فالمحامد لهم أوقى من الدروع والترسة وغيرها من العدد.
وقوله:
للناظرين إلى إقباله فرح ... يزيل ما بجباه القوم من غضن
يقول: هذا الممدوح يفرح الناظرون إلى إقباله حتى تنبسط أبشارهم فيزول ما بجباههم من الغضن, وهو تكسر في الجلد. والإقبال ها هنا يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون من أقبل شخص الرجل ضد أدبر.
و: من أقبل إذا أريد به إقبال السعود.
وقوله:
كأن مال ابن عبدالله مغترف ... من راحتيه بأرض الروم واليمن
يقول: مال هذا الرجل مفرق على الناس فكأن البعيد منه قريب؛ فأهل اليمن ومن بأرض الروم كأنهم يغترفون ماله من راحتيه.
وقوله:
لم نفتقد بك من مزنٍ سوى لثقٍ ... ولا من البحر غير الريح والسفن
المزن: جمع مزنةٍ, وهو من الجمع الذي ليس بينه وبين واحده إلا الهاء, كقولك: برة وبر, ويقال: إن المزنة السحابة البيضاء, وربما قالوا: المزنة السحاب مرسلًا. ومن قال: المزن فسكن الزاي جاز له أن يضم الزاي كما يقال: شغل وشغل؛ لأن هذا الجمع يجري مجرى الواحد؛ فيجوز أن يقال في الجمع: مزن, مثل: ظلمة وظلم, ويقال للهلال: ابن مزنةٍ. قال ابن قميئة: [المتقارب]