للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله:

تثنى على قدر الطعان كأنما ... مفاصلها تحت الرماح مراود

يريد أنها كالتي تعلم ما يراد منها؛ فهي تتقي الطعن كما يتقيه الفارس, وهذه من الدعوى المستحيلة, ويجوز أن يريد أنها تطيعه إذا ثناها لجهةٍ من خوف الطعن. والمفاصل: واحدها مفصل, وقد حكى مفصل, بفتح الميم وكسر الصاد. فأما اللسان فمفصل بالكسر لا غير. وبيت حسان ينشد على وجهين: [الكامل]

كلتاهما حلب العصير فعاطني ... بزجاجةٍ أرخاهما للمفصل

إذا روي بكسر الميم احتمل أن يراد اللسان واحد مفاصل الإنسان, وإذا روي مفصل بفتح الميم فهو ما بين العضوين, والأشبه أن يكون المراد المفصل من مفاصل الجسد؛ لأنهم يصفون الخمر بإرخاء المفاصل ودبيبها في الأعضاء. وشبه مفاصل الفرس بالمراود؛ لأن المرود من شأنه أن يدور ويتصرف, وهو من راد يرود إذا ذهب وجاء.

وقوله:

خليلي إني لا أرى غير شاعرٍ ... فلم منهم الدعوى ومني القصائد

كان الناس في هذا الشام يروون: فلم منهم الدعوى, ولا يمتنع ذلك, ولكن الذي يؤثرون تهذيب الكلام يختارون «كم» في هذا الموضع؛ لأن «لم» قد جاءت في أول القصيدة, وكم أحسن في المعنى وأشد مبالغةً؛ لأنها تدل على كثرة فعلهم ذلك, ويجوز أن يكون الشاعر قالها لم ثم غيرها من بعد, أو غيرها سواه؛ لأن الشعراء ربما وضعت الرواة في كلامهم الكلمة التي هي أوقع من التي نظمها القائل, وفي كلام يروى عن ابن مقبل: «إني لأرسل القوافي عوجًا فتقومها الرواة بألسنتها».

<<  <   >  >>