رفع يجعل, وحمل الكلام على المبتدأ والخبر, وصرفه عن الشرط والجزاء, كفي هذه المؤونة, وتكون من في معنى الذي, كأنه قال:
والذي يجعل الضرغام للصيد بازه يصيره
فيكون يصيره في موضع خبر المبتدأ.
وقوله:
أجزني إذا أنشدت شعرًا فإنما ... بشعري أتاك المادحون مرددا
يقال: إن أصل تسميتهم العطية جائزةً أن بعض الملوك كان في حرب, بينه وبين أعدائه نهر, فقال من جاز إلى الجانب الآخر فله كذا؛ فكان إذا جاز الرجل أعطاه عطيته, فقيل: قد أجازه. وقد يمكن مثل هذا الحديث, ويحتمل أن يكون قولهم: جائزة من أنها تجوز لصاحبها من قولك: هذا يمتنع وهذا يجوز؛ أي: يحتمل أن يفعل, فكأن الرجل إذا أعطي عطيته فقد جازت له.
وقوله:
ودع كل صوتٍ بعد صوتي فإنني ... أن الصائح المحكي والآخر الصدا
الصدى هاهنا: هو الذي يسمع في الجبال والأماكن الخالية, كأنه يحكي كلام المتكلم, والعرب تسميه ابنة الجبل, ولذلك قالوا في المثل للرجل الذي إذا رأى غيره يفعل أمرًا فعل مثله: هو كابنة الجبل مهما يقل يقل. وقالوا صمي يا بنة الجبل للداهية إذا سمعوا بها, أي: لا يكن هذا الحديث, ولا يذكره, وقال الشاعر:
إني بما كان من عسرٍ وميسرةٍ ... أدعو حنيفًا كما تدعى ابنة الجبل
أي: أني إذا دعوت أجابني غير متلبثٍ كالصدى الذي يجيب الصائح.