في النأي بمنزلة ما كان عليه التداني من قبل, وجعل قربنا قريبًا منا كما كان البعاد في أول الدهر مقارنًا لنا.
وقوله:
تهلل قبل تسليمي عليه ... وألقى ما له قبل الوساد
نتهلل الرجل: إذا ضحك واستبشر, وكذلك تهلل السحاب: إذا برق, قال الشاعر: [الطويل]
وإني وإن شطت نواها لقائل ... سقى آل هند العارض المتهلل
فأما قولهم: استهل السحاب فإنهم يريدون به شدة وقعه, أخذ من الإهلال, وهو رفع الصوت, يقول: عجل إلي بالمال قبل أن يطرح لي الوساد كي أجلس.
وقوله:
نلومك يا علي لغير ذنبٍ ... لأنك قد زريت على العباد
وأنك لا تجود على جوادٍ ... هباتك أن يلقب بالجواد
يقال: زرى عليه؛ إذا عاب فعله. وقوله: نلومك, يريد يلومك بعضنا؛ لأن المادح لا يجوز أن يكون من اللائمين, وهذا من الكلام الذي كأنه عموم وهو على التخصيص, كما يقال: الناس يلومون فلانًا على كذا, أي: بعضهم. وزريه على العباد أنه قد أعلمهم أنهم بخلاء لا جواد فيهم, فلم يبق أحد يقال له: جواد, وكان كثير من المتأدبين يروون تلقب بالتاء, وتلك غباوة بينة, وإنما المعنى أن هباتك مرفوعة بفعلها, وهو (٤٨/أ) تجود, كأنه قال: لا تترك هباتك أحدًا يلقب بالجواد. فأما من روى تلقب بالتاء فيلزمه أن يرفع هباتك بالابتداء ويحيل المعنى إلى غير ما أراده القائل.
وقوله:
ويم جلبتها شعث النواصي ... معقدة السبائب للطراد