أبرحت: أي: صرت به إلى البرح, وهو الأمر الشديد الشاق, وسموا الداهية بنت برحٍ, وجعله مرض الجفون؛ لأنه يحملها على البكاء والسهر, وبعض الناس ينشده يا مرض, بكسر الراء, وهو قليل في الاستعمال, إنما يقولون: لإلان مريض, والقياس لا يمنع أن يقال: مرض, كما يقال: سقم فهو سقيم وسقم, قال الأعشى: [المتقارب]
يقضي بها المرء حاجاته ... ويشفى عليها الفؤاد السقم
وقوله:
فله بنو عبد العزيز الرضى ... ولكل ركبٍ عيسهم والفدفد
الهاء في قوله: له, راجعة على الممرض, وإنما يعني نفسه؛ أي: أنه اختار هؤلاء القوم دون الناس, وترك المقاصد لمن يريدها من الركبان. والفدفد: أرض غليظة فيها ارتفاع.
وقوله:
من في الأنام من الكرام؟ ! ولا تقل ... من فيك شأم سوى شجاعٍ يقصد
من في الأنام من الكرام معناه الاستفهام, وقد حذف منه الفعل, كأنه قال: قل يا سامع: من في الأيام, لا تقل ذلك للشأم؛ لأنه قد علم أنه ليس فيه من يقصد إلا هذا الممدوح. والشأم يستعمل بالألف واللام, وهو خاص بلد بعينه, فليست الألف واللام فيه مثلهما في الرجل؛ لأن كل آدمي يقع عليه هذا الاسم, وليس كل أرضٍ مثل الشأم في السعة يقال لها: شام؛ إلا أنه لا يمتنع أن يحذف منه الألف واللام في النداء؛ لأنه سمي وهما فيه, كما قالوا: الضحاك والعباس, فكأن حذف الألف واللام منهما أيسر منه في قولك: رجل أقبل. والنحويون يرون ذلك من الضرورات, ويحتجون بقول العرب: أصبح ليل, وافتد مخنوق؛ لأن هذين اللفظين جريا مجرى الأمثال, فجاز فيهما ما يجوز في الشعر؛ لكثرتهما على الألسن, قال بشر بن أبي خازم: [الوافر]