فبات يقول أصبح ليل حتى ... تجلى عن صريمته الظلام
كأنهم يقولون: يا أيها الليل, فيجعلونه نعتًا لأي, فكرهوا أن يحذفوها مع حذف حرف النداء, وإذا سموةا (٥٢/ب) الرجل العباس أو الحارث لم يحسن أن يقولوا: يا أيها العباس ولا يا أيها الحارث, إلا أن يخرجاهما من حال التسمية إلى حال الصفة.
وقوله:
أعطى فقلت لجوده ما يقتنى ... وسطا فقلت: لسيفه ما يولد
قوله: لجوده ما يقتنى؛ أي: كل ما اقتناه الناس فهو من هباته, وهذا كما يقال: لفلان كل جميل يفعل في بلده؛ أي: هو من فعله ومنسوب إليه. وقوله: لسيفه ما يولد؛ أي: أنه لكثرة ما يقتل يظن كل من يولد مقتولًا بسيفه. وحسن أن يوقع ما هاهنا على الآدميين؛ لأنه وسع دعواه فكأنه قال: ولسيفه الشيء الذي يولد. وهذا كما يقال: ما أنت وقد علم أنه آدمي؛ أي: أي فن من الناس؟ وكأن المتكلم إذا سأل عن ذلك يوهم أنه جاهل متهاون. فأما قولهم: سبحان ما سبح الرعد بحمده, فإن الله سبحانه لما كان لا تدرك صفته, ولا يعلم ما حقائقه جعل كالشيء المجهول, فكأنهم قالوا: سبحان الشيء الذي سبح الرعد بحمده.
وقوله:
في كل معتركٍ كلًى مفرية ... يذممن منه ما الأسنة تحمد
المفرية: المقطوعة, يقال: فريت وأفريت, فيشتركان في معنى القطع الذي هو هلاك وإفساد, فإذا أخرج الفري إلى معنى الإصلاح لم يقولون: أفريت.
وذم الكلى هذا الفعل يريد به أنه فعل بها فعلًا قبيحًا من الفري, وإنما الذم من أصحابها, ولكن لما كان ذمهم لأجل فريها جاز أن يستعار الذم لها, وقوله: ما الأسنة تحمد: لو كان وضع موضع الأسنة غيرها لكان ذلك أقوى في النظم؛ لأن الأسنة لا تنتفع بالمفري, وربما انحطمت فيه, ولكن لما كان الممدوح يفعل بالأسنة ما يحمد عليه جاز أن ينقل إليها الحمد؛ لأنها كالخدم له.