للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله:

فهم في جموعٍ لا يراها ابن دأيةٍ ... وهم في ضجيجٍ لا يحس به الخلد

ابن دأيةٍ: الغراب, وهو معرفة في الأصل, مثل: ابن عرسٍ وابن آوى, وصرفه هاهنا للضرورة, وإنما سمي بذلك لأنه يقف على دأية البعير, وهي الضلع. وقيل: إن الفقاء دأيات, ولا يمتنع أن يقال لكل عظيم غليظ: دأية, قال طرفة: [الطويل]

كأن علوب النسع في دأياتها ... موارد من خلقاء في ظهر قردد

ويجوز أن يجعل ابن دأيةٍ هاهنا نكرةً فلا يكون في البيت ضرورة؛ لأن تنكيره ممكن إذا كان سائغًا أن يقال: وقع على الناقة ابن دأيةٍ, ثم جاء ابن دأيةٍ آخر. والخلد هذه: الفأرة المعروفة, وهو موصوف بجودة السمع, كما أن الغراب موصوف بحدة النظر. قال ابن ميادة: [الطويل]

ألا طرقتنا أم عمروٍ ودونها ... حراج من الظلماء يعشى غرابها

بالغ في صفة الظلماء لأنه جعل الغراب لا يبصر فيها.

وقوله:

ومني استفاد الناس كل غريبةٍ ... فجازوا بترك الذم إن لم يكن حمد

تم الكلام عند قوله كل غريبة, وهو إخبار عن أغيابٍ, ثم ترك ذلك الكلام وخرج إلى صفة قوم مخاطبين, كأنه قال: فيا أيها الناس جازوا بترك الذم إن لم تحمدوي إذا كنت أستحق منكم الحمد. والخروج من الإخبار عن الغائب إلى مخاطبة الشاهد, ومن مخاطبة الشاهد إلى الإخبار عن الغائب كثير جدًا, وبعضه أحسن من بعضٍ, ومن أشده ما أنشده أبو عبيدة: [الطويل]

وما جأبه عصماء تأوي بغفرها ... إلى الهضبات الشم من وطدان

بأنفع لي منها وإني لذاكر ... هوى منك أفنى مهجتي وبراني

<<  <   >  >>