للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموتى لما شاع فساد العالم. والذي يضعف هذا المذهب أن النبوة قد كانت في العالم والبعث الذي يكون في القيامة لم يكن بعد.

وقوله:

زانت الليل غرة القمر الطا ... لع فيه ولم يشنها سواده

هذا البيت تقوية للأبيات الماضية وبيان لها؛ لأنه جعل الممدوح كالقمر الطالع والعالم كالليل الأسود؛ فالقمر يزين الليل, وسواد الليل لا يشين القمر؛ أي: معايب الناس الذين في زمن ابن العميد لا يلحقه منها شيء, بل هو يزيلها بمكارمه كما يزيل القمر ظلمة الليل.

وقوله:

كثر الفكر كيف نهدي كما أهـ ... ـدت إلى ربها الرئيس عباده

والذي عندنا من المال والخيـ ... ـل فمنه هباته وقياده

فبعثنا بأربعين مهارٍ ... كل مهرٍ ميدانه إنشاده

عدد عشته يرى الجسم فيه ... أربًا لا يراه فيما يزاده

فارتبطها فإن قلبًا نماها ... مربط تسبق الجياد جياده

من شأن الفرس في النوروز والمهرجان أن تهدي إلى ملوكها, فيحمل كل رجل من أصحابه ما أمكن, فمنهم من يحمل الدرع, ومنهم من يجيء بالسيف, وأقلهم هديةً الذي يهدي دينارًا ودرهمًا, فذكر أبو الطيب أنه كثر فكره كيف يهدي إلى الممدوح كما جرت العادة من الأصحاب والأولياء, فإذا الذي في ملكه من المال والخيل وغيرهما من هبات الممدوح فلم يحسن أن يهدي له شيئًا مما وهبه, فأهدى قصيدةً عدد أبياتها أربعون, وشبه البيت بالمهر لأنه يجوز في البلاد, وجاء بشيء لم يهبه له ابن العميد؛ لأن الشعر مما أنشأه أبو الطيب, وجعل الإنشاد ميدانًا للمهر؛ لأن البيت إذا أنشد علم حسن لفظه ومعناه, كما أن المهر إذا أجيل في الميدان عرف حسن خلقه وموضعه في الجري. والميدان ليس أصله عربيًا.

واحتج في كون الأبيات أربعين بحجةٍ لم يعلم أنه سبق إليها؛ وذلك أنه جعل عدة الأبيات كعد الأربعين من السنين التي يرى فيها الإنسان من القوة والشباب وقضاء المآرب ما

<<  <   >  >>