صبحناهم غارة, فكأن خيل هذا المعني تجيئهم قبل الوقت الذي يخافون مجيئها فيه. وفرق بينها وبين الصبح بالرديان, كأنه يذهب إلى أنها أسرع انتشارًا منه.
وقوله:
ومبثوثةً لا تتقى بطليعةٍ ... ولا يحتمى منها بغورٍ ولا نجد
ومبثوثةً: أي: قد بثها صاحب الجيش, والمراد خيل لا تتقى بطليعة؛ أي: شأنها عظيم, فلا يبعث الأعداء إليها طليعةً, إذ كانوا عالمين بأنها الغالبة, ولا يحتمى منها بأرض مرتفعةٍ ولا منخفضة.
وقوله:
يغضن إذا ما عدن في متفاقدٍ ... من الكثر غانٍ بالعبيد عن الحشد
يقول: صاحب الخيل يبث خيلًا لتأخذ له أخبار العدو, فإذا عدن غصن في جيش بحرٍ؛ أي: غبن فيه, من غاضب الماء في الأرض إذا ذهب فيها, ووصف الجيش بمتفاقدٍ؛ لأنه كثير العدة, ومثل هذه الصفة يتردد في الأشعار, ومنه قول الأفوة في صفة الجيش: [الرمل]
زجل الأصوات حتى ما به ... ليس شتى حزق القوم شعار
ويروى: خرق القوم, ويعني بالشعار قول القائل: يال فلانٍ فينتسبون إلى أبيهم ليعرف بعضهم بعضًا, وربما تواصوا بلفظ يقولونه ليتعارفوا بذلك, ومن هذا النحو قولهم: جمع تضل فيه البلقاء, قال عبيد الله بن قيس الرقيات: [الوافر]
تضل العاند البلقاء فيه ... ويخطئ رحل صاحبه الزميل
فزعم الأفوه أنهم يجتمع بعضهم إلى بعضٍ خشية أن يفترقوا فيضلوا. والخرق الجماعات من الناس ومن روى: شتى خرق القوم, أراد الرايات. وقوله: غانٍ بالعبيد أي الجيش قد استغنى بعبيد قائده عن أن يحشد له أخلاط الناس.
وقوله:
حثت كل أرضٍ تربةً في غباره ... فهن عليه كالطرائق في البرد