للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أي: هذه أمور, وتلك أمور. وقطرك: جمع قطرةٍ, ولا يحسن أن يجعل القطر هاهنا مصدر قطر يقطر قطرًا؛ لأنه قار بحار, وأخبر عن الجمع بالجمع.

وقوله:

وأخذ للحواضر والبوادي ... بضبطٍ لم تعوده نزار

أخذ: من قولهم: فلان يأخذ نفسه بالمكارم وبالفعل الأجمل؛ أي: يرفع نفسه عن الدنايا. وضبط: مصدر ضبط يضبط. وقالوا: أسد أضبط, ولبؤة ضبطاء, وكذلك يقولون لكل من يعمل بيديه؛ لأن ذلك تفضيل له على من يعمل بيمينه ما لا يعمل بشماله. قال تأبط شرًا:

كأن الذي يأوي إلي بنفسه ... يلوذ بضبطاء الذراعين مشبل

وأصل الضبط باليد, ثم اتسعوا فيه فقالوا: فلان يضبط ما يحفظ؛ أي: لا ينساه, والسلطان يضبط الرعية؛ أي: يسوسهم ويكف بعضهم عن بعضٍ, وليس هـ نالك ضبط باليد, وإنما هو بالرأي والتدبير, فلما كان يفتقر في السياسة إلى أيدي الأصحاب جعل كأنه يضبط بيديه. وقالوا في المثل: «أضبط من ذرةٍ وأضبط من نملةٍ»؛ لأنها تجر ما تصغر عنه. وقالوا: هو أضبط من عائشة بن عثمٍ, وهو رجل من سعد بن زيد مناة بن تميم وقف على بئرٍ ليسقي إبله فازدحمت الإبل على فم البئر فهوت منها بكرة. وكان أخوه قد نزل لينظر ما شأن الماء, فصاح إليه أخوه: الموت؟ فقال: ذلك إلى ذنب البكرة, وكان قد ضبط ذنبها؛ فيقال: إنه أخرجها من البئر, وسلم أخوه.

وقوله:

تشممه شميم الوحش إنسًا ... وتنكره فيعروها نفار

يقول: ضبطك للرعية ما تعودت نزار مثله؛ لأنها كانت لا تدين للملوك, ولا تذعن لها بالطاعة, فهي تشمم هذا الضبط كما تشمم الوحش الأنيس, فإذا علمت أنهم إنس نفرت

<<  <   >  >>