تركت دخان المرث في أوطانها ... طلبًا لقومٍ يوقدون العنبرا
أي: إنها كانت في مساكن البدو تشم دخان الرمث, فطلبت دخان العنبر, وسارت إلى القوم الذين يوقدونه, وقد سبقت الشعراء إلى وصف النار بأنها تطعم ما طابت رائحته, قال الشاعر:[مجزوء الرمل]
صاح هل أبصرت بالخبـ ... ـتين من أسماء نارا
شبها الموقد يذكيـ ... ـها يلنجوجًا وغارًا
وقال آخر:
أوقدتها بالند والمندل الرطـ ... ـب فتاة يضيق عنها السوار
وقوله:
وتكرمت ركباتها من مبركٍ ... تقعان فيه وليس مسكًا أذفرا
أكثر الرواية: تقعان. وبعض الناس ينشد تحتل فيه, يفرون من قوله: ركبات على الجمع, ثم جعل الفعل لاثنين, وإنما جرت العادة أن يخبر عن الاثنين بخبر الجمع كما جاء في الكتاب الكريم:{قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعضٍ} فأما ردهم الجمع إلى الاثنين فمفقود. ويجوز أن يكون عنى ركبتيها المتقدمتين. والمسك الأذفر: الحديد الرائحة؛ وذلك يستعمل في الطيب وضده, ومنه قول المرأة:[المتقارب]
له ذفر كصنان التيو ... س أربى على المسك والغاليه
يقول تكرمت هذه الناقة أن تبرك إلا على المسك الأذفر؛ لأنها في محلة ملوكٍ يوقدون العنبر. والذي ادعى من بروكها على المسك الأذفر يوفي على ما ذكره من العنبر الموقد بدرجات؛ إذ كانت الملوك تستعمل مثل هذه الخليقة, ولا يجوز أن تبرك الناقة على مسكٍ إلا أن يشاء الله سبحانه.