أحاليل الضرع, وهذا أشد من قولهم: لببت؛ لأن قولهم: عززت الشاة قد اجتمع فيه مع الضم إظهار الضعيف في موضعٍ لا يحسن فيه إظهاره, وإنما القياس عزت الشاة.
وقوله: أحب امرئ حبت الأنفس: مبني على قولهم: حب إلينا فلان ليكون أفعل الذي للتفضيل مبنيًا على فعل فاعل؛ لأنه يشبه أفعل الذي للتعجب, ولا يجوز أن يبنى على فعل ما لم يسم فاعله, تقول: كد الفرس فلا يحسن أن تقول: ما أكده, فإن جعلت التعجب من كاد الفرس, فقولك: ما أكده كلام صحيح, وكذلك تقول: ما أضربك إذا تعجبت من ضربه الذي يوقعه, فإن أردت أنه ضرب فعجبت من ضربه لم يحسن ذلك؛ إلا أن يحمل على قولهم: فاعل أي ذو فعلٍ, وحكى ابن حبيب - ويقال: إن حبيب اسم أمه, فإن صح ذلك وجب ألا يصرف, وأكثر أهل العلم يصرفونه, لأنهم لم يبلغهم أنه منسوب إلى أمه: «هو أجن من دقة» فهذا من جن الرجل, ويجوز أن يكون من قولهم: رجل جان؛ أي: ذو جنونٍ, كما قالوا: تامر؛ أي: ذو تمر, وإن لم يسمع جان في هذا المعنى, ولكنه مقدر فيه, ويقال: حبت الأنفس وأحبت, وأحبت أكثر.
وقوله في أول الأبيات: أحب امرئٍ, يسميه بعض المتكلمين الجملة المقتضبة؛ لأنها خبر مبتدأٍ محذوفٍ, كأنه قال: أنت أحب امرئٍ, أو هذا الشخص أحب امرئٍ. ويقال: شممت أشم وهي اللغة العالية. وقد حكي: شممت. والمعطس: الأنف, وهو مأخوذ من العطاس, لما كان المكان الذي تخرج منه العطسة جاء على مفعلٍ, كما قالوا للمكان الذي يجلس فيه: مجلس, ويكثر في الكلام االقديم: أرغم الله معطسه, ورغمت معاطس القوم, وكانت العرب تكره العطاس وتشاءم به. ولذلك قالوا: مضى لشأنه ولم تحبسه العواطس, فأما قول الشاعر:
وخرقٍ إذا وجهت فيه لحاجةٍ ... مضيت ولم تحبسك عنه الكوادس
ففيه قولان: أحدهما أن الكوادس: العواطس. يقال: كدس إذا عطس, ويقوي هذا الوجه قوله: كندس لهذا الشيء الذي يعطس؛ لأنه من كدس والنون فيه زائدة.