للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله:

وما نجا من شفار البيض منفلت ... نجا ومنهن في أحشائه فزع

ما: في أول البيت نافية, والمعنى: لم ينج, ونجا الثانية في موضع نعتٍ لمنفلتٍ, يقول: ما نجا من السيوف منفلت في أحشائه منهن فزع.

وقوله:

يباشر الأمن دهرًا وهو مختبل ... ويشرب الخمر حولًا وهو ممتقع

يقال: امتقع لون الرجل إذا تغير من فزعٍ أو غيره, والميم هي اللغة الفصيحة, وحكى الفراء: انتقع, بالنون. ويباشر هو من التزاق بشرة الإنسان ببشرة غيره. والبشرة: ظاهر الجلد, ثم كذر ذلك حتى قالوا: فلان يباشر الأمر؛ أي: يمارسه, كما يباشر أحد المباشرين الآخر. والمعنى أن الذي نجا من القتل لم ينج نجاءً كاملًا, إذ كان قد حصل في المأمن وعقله مختبل من الذعر, وهو يشرب الخمر بعد خلاصه حولًا ولونه ممتقع, وهذه مبالغة؛ لأن الخمر شأنها أن تظهر في الوجه لونًا محمرًا, والامتقاع: هو ذهاب الدم من الوجه.

وقوله:

كم من حشاشة بطريقٍ تضمنها ... للباترات أمين ما له ورع

الحشاشة: بقية النفس وأصلها - والله أعلم - مأخوذ من حش الشيء إذا يبس, ومنه قولهم لما يبس من الكلأ: حشيش. فإذا احتش الرجل لدابته حشيشًا, وبقي منه شيء قيل له: حشاشة؛ كما يقال لما فضل من الطعام: فضالة, ولما أغدر من الشيء المأخوذ: غدارة, فأريد أن الحشاشة بقية نفسٍ قد أخذ معظمها. والباترات: السيوف؛ لأنها تبتر؛ أي: تقطع. وأمين هاهنا يعني به القيد الذي يجعل في الأسير؛ أي: إنه إذا أودعه الإنسان فهو مأمون على الوديعة, لأن المقيد به لا يقدر على الهرب. والورع هاهنا: من قولهم: رجل ورع إذا كان يتحرج من المآثم, ولا يقدم على خيانةٍ ولا قبيح؛ أي: هذا القيد أمين, وليس هو من أهل الورع, الذين يحملهم على ذلك الأمانة, وقد جاء في الشعر القديم وصف القيد بأمين إلا أنه يراد به هذا المعنى (١٠٣/أ)؛ وذلك في البيت المنسوب إلى ابن الطثرية, وهو في صفة بعيرٍ مقيدٍ: [الطويل]

<<  <   >  >>