للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا رام فيها مطلعًا كف غربه ... أمين القوى عض اليدين فأوجعا

فالأمين هاهنا: قيد وثيق قد أمن انقطاعه. والأمين الذي ذكره أبو الطيب يراد به الأمين من الأمانة التي هي ضد الخيانة؛ إلا أنه يرجع إلى الأمين الذي هو قوي شديد, لأنه إنما يمنعه من الخيانة ما هو فيه من القوة.

وقوله:

يقاتل الخطو عنه حين يطلبه ... ويطرد النوم عنه حين يضطجع

هذا البيت في صفة القيد, وأنه يمنع المقيد من الخطو, ويطرد النوم عنه إذا اضطجع؛ لأنه يؤلمه, وقد وصف المتقدمون القيد بتقصير الخطو, قال الشاعر: [الوافر]

حنتني حانيات الدهر حتى ... كأني خاتل يدنو لصيد

قصير الخطو يحسب من رآني ... ولست مقيدًا أني بقيد

فهذا جعل قيده من الكبر قاصرًا خطوه, كما قال الآخر: [الكامل]

والدهر قيدني بقيدٍ مبرمٍ ... فمشيت فيه فكل يومٍ يقصر

وقال الحكمي في صفة مقيد: [الطويل]

إذا قام غنته على الساق حلية ... لها خطوه عند القيام قصير

وقوله:

تغدو المنايا فلا تنفك واقفةً ... حتى يقول لها عودي فتندفع

هذا البيت يجب أن يكون في صفة القيد أيضًا؛ لأنه متصل بصفته, ولولا ذلك لكان تصييره للمدوح أشبه, ولكن الكلام طال, واتصل هذا البيت بما قبله اتصالًا يشهد بأنه مشفوع به, والمعنى: أن هذا المقيد تغدو عليه المنية فتنظر: إن كان يقتل حكمت فيه, وإن كان يترك القيد عليه رجعت عنه؛ لأن تركه بقيده يدل على أن قتله لم يؤمر به؛ إذ العادة جارية بأن يؤخذ قيده لينتفع به في تقييد سواه.

<<  <   >  >>