للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله:

قل للدمستق إن المسلمين لكم ... خانوا الأمير فجازاهم بما صنعوا

المسلمين: أي: الذين أسلموا إليكم فقتلتموهم أو أسرتموهم, وادعى على القوم أنهم خانوا الأمير فجازاهم على خيانتهم بإسلامهم إلى العدو, وهذا من الافتراء الذي يحسن به أمر الممدوح, ويقام به العذر في الهزيمة.

ولعل الذين أسلموا للروم كانوا أعظم الجيش نصيحةً, وأشدهم بعدًا من الخيانة.

وقوله:

وجدتموهم نيامًا في دمائكم ... كأن قتلاكم إياهم فجعوا

يذكر من يدعي علمًا بغزوات سيف الدولة بن حمدان أن أصحابه مروا في هذه الغزاة, وهي التي كانت تسمى في ذلك العصر غزاة المصيبة, مروا في هزيمتهم بمقتلةٍ من الروم فظنوا أن أولئك القتلى لا يجاوزهم أحد من العدو, فنزلوا في ذلك الموضع ليستريحوا, فجاءت خيل الروم فوجدتهم على تلك الحال, فنالوا منهم المراد من قتلٍ وأسرٍ.

ومعنى البيت: أنكم وجدتم هؤلاء القوم نيامًا بين قتلاكم, كأنهم الذين فجعوا بهم, وذلك أن من شأن من قتل له قتيل أن يكب عليه, ويحمله الجزع على أن يتلطخ بدمه, كما أن المحزون يمترغ على القبر ويقبله لشدة الأسف.

وقوله:

ضعفى تعف الأعادي عن مثالهم ... من الأعادي وإن هموا بهم نزعوا

نزعوا عن الشيء: إذا أقلعوا عنه. والمعنى أن هؤلاء القوم الذين أخذتم كانوا ضعفاء لا قوة لهم بالدفاع, قد جرت عادة الأعداء ألا تقتل مثلهم في الحروب؛ لأن النهي في الإسلام قد جاء عن قتل الشيخ والأسيف والعسيف. وقيل: إن الأسيف هاهنا العبد. والعسيف الأجير, ويفسر الأسيف في غير هذا الموضع بأنه الكثير الأسف والحزن والذي يسرع إليه البكاء. والأعادي جمع أعداءٍ, وأعداء جمع عدًى وعدًى, وهذا البناء اسم للجمع؛ لأنه جمع عدو, ولا يجمع فعول على فعلٍ ولا فعلٍ, وقد استعملوا العدو في الواحد والاثنين والجميع, وقالوا للمرأة: عدو, وعدوة, ولو شددت الياء من الأعادي لكان ذلك قياسًا, ولم يأت في السماع, لأن أعداءً على أفعالٍ (١٠٣/ب) فكان ينبغي أن يجيء على مثال أصرامٍ

<<  <   >  >>