قد مضى الكلام في الشوى, واتفق في هذا البيت أنه أراد بالشوى رأس القلم الذي يكتب به, وجعله نحيفًا؛ لأنه يقلم فيدق, وإنما يستعمل الشوى في القوائم, وقد استعمله هاهنا في الرأس, وإنما حسن ذلك؛ لأن القلم كالذي يمشي على رأسه فشبه رأسه بشوى الفرس, ولا يحسن أن يجعل الشوى هاهنا جمع شواةٍ؛ أي: جلدة الرأس, وإنما قوي استعماله نحيف الشوى في هذا الموضع؛ لأنهم يقولون في صفة الفرس: عبل الشوى. ويحفى من حفي الفرس إذا رق حافره من العدو أو المشي, لما جعل له شوًى جاز أن يصفه بالحفا, وذكر أنه يحفى تارةً ويعدو أخرى, ومثل هذه الأشياء سائغ كثير. وأم الرأس: مجتمعه ومعظمه.
وقوله:
وليس كبحر الماء يشتق قعره ... إلى حيث يفنى الماء حوت وضفدع
يقول: ليس هذا الممدوح كبحر الماء يمكن استقصاؤه ويشتقه إلى منتهاه الحوت والضفدع. وفي الضفدع لغتان: ضفدع, وهي اللغة المعروفة, وقد حكي ضفدع, بفتح الدال. وقعر الشيء: أسفله. وحوت مرفوع بيشتق, كأنه قال: ليس كبحر الماء يشتق حوت وضفدع قعره إلى حيث يفنى ماؤه.
وقوله:
أبحر يضر المعتفين وطعمه ... زعاق كبحرٍ لا يضر وينفع
يقال: ماء زعاق إذا لم يستطع شربه لمرارته وملوحته. يقال: قليب زعاق وأقلبة زعاق, ويقع على الواحد والجمع, قال الشاعر: [الكامل]
وكأن حيًا قبلهم لم يشربوا ... منه بأقلبةٍ أجن زعاق
وكأنه سمي زعاقًا؛ لأن شاربه يزعق أي يصيح لما يجده في فمه من كراهة الماء. ومن قولهم: زعق إذا صاح, وقالوا لفراخ الحجل: زعاقيق, ويجوز أن يقال ذلك للحجل لكثرة صياحه, قال الشاعر, وهذا البيت يروى لوعوعة بن الطرماح: [المتقارب]
كأن الزعاقيق والحيقطان ... يبادرن في المنزل الضيونا