وقوله: المجد أخسر والمكارم صفقةً: إن أراد أن المجد أخسر صفقةً والمكارم, فقد فصل بين الاسم المميز وبين أفعل الذي يراد به من كذا بالمعطوف, وذلك قيل إلا أنه يحتمل؛ لأن الغرض معروف, وهو كقولك: فلان أشرف وأخوه أبًا, وأنت تريد: فلان أشرف أبًا وأخوه. فإن تأول متأول أن صفقةً متصلة بالمكارم كأنه قال: والمكارم أخسر صفقةً فهو جائز, إلا أن أخسر الذي بعد المجد يكون المفسر له محذوفًا؛ فإن جعل أخسر في معنى خاسرٍ حسن الكلام؛ لأنه قد تم عند قوله: المجد خاسر, ثم يستأنف المكارم, وهي أول الجملة الثانية, فتكون الجملة الأولى تامةً, والجملة الثانية ناقصةً قلما يجيء مثله؛ لأن المعنى: المجد خاسر والمكارم أخسر منه صفقةً, فكأن القائل قال: خالد فاضل وبكر أبًا, فإن أراد: وبكر أفضل أبًا, ثم حذف أفضل فالكلام رديء, وإن جعل بكرًا معطوفًا على خالد فالكلام مستقيم؛ لأن المعنى: خالد فاضل وبكر فاضل, ثم جاء المفسر بعد ذلك.
وقوله:
ويد كأن نوالها وقتالها ... فرض يحق عليك وهو تبرع
إذا رويت: يحق فهو من قولهم: حق الأمر إذا كان حقًا, وحق عليهم العذاب إذا صح نزوله بهم, ويقال في المضارع: يحق ويحق, ومنه قوله تعالى: {الحاقة * ما الحاقة} , أي: الداهية التي يحق أمرها.
وإذا رويت: يحق عليه فهو من حق بكذا, فهو محقوق به, وحقيق؛ أي: كنت أيها الممدوح كأن قتالك ونوةالك شيء يفترض عليك, ولم يكن كذلك وإنما هو تبرع منك, ويقال: فلان حق عليم بكذا؛ أي: علمه به حقيق, قال الشاعر: [الطويل]
وإلا أكن كل الشجاع فإنني ... بضرب الطلى والهام حق عليم
وقال الأحنف بن قيس: [الرجز]