للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه لم يكن استفهامه (١٠٧/ب) المتقدم لجهله بالأمر. ويكاد: هاهنا تحتمل وجهين؛ لأنها قد تقدم قبلها حرف نفي, ومن شأنها إذا قدم عليها النفي أن تصير موجبةً, فإذا قيل: كاد فلان يفعل, فالمعنى أنه قارب الفعل, ولم يوقعه, وإذا قيل: ما كاد فلان يفعل, فالمعنى أنه قد فعل بعد بطءٍ؛ فيكون المعنى أن هذا المرثي قد ضيع الضيوف لما قبض, وليس هو بمذمومٍ في ذلك. فهذا وجه. والوجه الآخر أن يكون من جنس قوله تعالى: {لم يكد يراها}؛ أي لم يرها ولم يكد؛ فيكون الغرض أنك كنت في أيام حياتك لا ت ضيع الضيوف ولا تقارب إضاعتهم.

وقوله:

قبحًا لوجهك يا زمان فإنه ... وجه له من كل قبحٍ برقع

يقال: قبحًا له وقبحًا, فإذا فتحت القاف فهو مصدر قبح, وإذا ضمت القاف فهو كالاسم, وقد يجوز أن يكون مصدرًا, فيقال: قبحه الله قبحًا وقبحًا, كما يقال: شغله شغلًا وشغلًا. وإذا فتح أوله فنصبه على أنه مصدر, وإذا ضم جاز فيه مثل ذلك؛ إلا أن إضمار فعلٍ قبله أحسن, كأن التقدير ألزم الله وجهك يا زمان قبحًا, وربما قال المتقدمون: قبحه الله؛ أي: أبعده, وليس أصله إلا من سماجة الوجه, كأنهم يريدون: شوه الله خلقه. والمعنى: أن الزمان على وجهه براقع من أنواع القبح فهو لا يقابل الناس إلا بقبيحٍ

وقوله:

أيموت مثل أبي شجاعٍ فاتكٍ ... ويعيش حاسده الخصي الأوكع

يجوز رفع (يعيش) ونصبه, فرفعه على أنه معطوف على يموت, ونصبه على إضمار أن, كأنه قال: أيجتمع موت أبي شجاعً وأن لا يموت حاسده؛ أي: لا يجب أن يكون ذلك, وهذا استفهام على سبيل الإنكار. والنصب على مثل قول الحطيئة: [الوافر]

ألم أك جاركم ويكون بيني ... وبينكم المودة والإخاء

والأوكع: الذي تنقلب إبهام رجله على الإصبع التي تليها. فأما قولهم: سقاء وكيع فمعناه جديد قوي, وبه سمي الرجل وكيعًا, وقال الفرزدق: [الطويل]

<<  <   >  >>