للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والريحة: كلمة قليلة الاستعمال, وهي في معنى ريح الشيء, وإذا قالوا: شممت ريحه فهي مأخوذة من الريح الهابة؛ لأنهم يريدون أن عرف ذلك الشيء تحمله الريح حتى تصل به إلى من يجده, كذلك هو في الأصل, ثم كثر ذلك, حتى استعملوه فيما لا يوجد له ريح, حتى يوضع على الأنف وينتشق. وتضوعت (١٠٨/أ) الرائحة: إذا انتشرت, وتحركت, ومنه قولهم: انضاع الفرخ إذا تحرك.

وقوله:

فاليوم قر لكل وحشٍ نافرٍ ... دمه وكان كأنه يتطلع

أصل الوحش أن يكون ضدًا للإنس, والأغلب على الوحش التأنيث, قال تأبط شرًا: [الطويل]

يبيت بمغنى الوحش حتى ألفنه ... ويصبح لا يحمي لها الدهر مرتعا

وجعله أبو الطيب هاهنا واحدًا؛ وذلك قليل في الاستعمال, إلا أن يراد به فقد الطعام, كما قال حميد بن ثورٍ: [الطويل]

وإن بات وحشًا ليلةً لم يضق بها ... ذراعًا ولم يصبح لها وهو خاشع

والمعنى: أن هذا المرثي كان مغرى بالصيد, هذه صفة حال, وليست مما يمدح به الملوك؛ لأن اشتغالهم بغير ذلك أجمل؛ إلا أن يعني بالوحش هاهنا عدوًا يستوحش فينفر خوفًا من القتل؛ فحينئذ يكون فيه مدح للمذكور؛ لأنه يصفه بأن مخالفيه كانوا في حياته ليسوا بالآمنين, ويكون ذلك من جنس تشبيههم الهارب بالنعامة, والثعلب, ونحوها.

وقوله:

وتصالحت ثمر السياط وخيله ... وأوت إليها سوقها والأذرع

ثمر السياط: جمع ثمرة, وهي عقدة تكون في طرف السوط. والسوط مأخوذ من قولهم: ساط الشيء بغيره يسوطه: إذا خلطه؛ كأنهم أرادوا أنه يخلط اللحم بالدم, أو يسوط بعض الدم ببعضٍ, وقالوا: ساط فرسه إذا ضربه بالسوط. وقوله: وأوت إليها سوقها والأذرع؛ كأنها كانت ليست معها؛ وهذا على معنى المبالغة؛ كما يقال للرجل الذي قد أتعب يده في عمل: كأن يدك ليست معك؛ أي: قد أتعبتها فصارت لا تحس بشيءٍ, فكأنها منقطعة منك. والسوق: جمع ساق, مثل دارٍ ودورٍ, وقد حكي سؤوق, وهو شاذ, فأما أسوق فالجمع المعروف. وقولهم: ساق الدابة والإنسان, وساق الشجرة من جنسٍ واحد, وأصل الساق فيما

<<  <   >  >>