وقوله:
وقد صارت الأجفان قرحى من البكا ... وصار بهارًا في الخدود الشقائق
ذكر أبو الفتح بن جني - رحمه الله - في أول «كتاب الفسر» هذا البيت في حكاية معناها: أنه سأل أبا الطيب: أينشد هذا البيت قرحى في وزن جرحى: جمع قريحٍ, أم قرحًا جمع قرحةٍ بالتنوين؟ فقال أبو الطيب: قرحًا منونًا أما ترى إلى قولي: بهارًا؛ فكان أبو الفتح يستحسن هذا القول؛ لأن قرحًا إذا كان جمع قرحةٍ فليس بينه وبين واحده إلا الهاء, وبهار كذلك, والأحسن أن يكون الجمعان من جنسٍ واحدٍ.
وقوله:
سل البيد أين الجن منا بجوزها ... وعن ذي المهارى أين منها النقانق
البيداء: الأرض المقفرة, وكأنها سميت بذلك لأنها تبيد من يسلكها, أو تبيد زاده وماءه. وجوزها: أي: وسطها, وهذا كلام يستحسن في المنظوم, والمراد به: سل البيداء أين الجن منا إذا سلكناها, فإنا أخبر منهم بالطرق, وأصبر على السير. وسلي عن ذي المهارى: أي: عن هذه العيس التي هي من إبل مهرة بن حيدان. وروي أن يونس بن حبيبٍ كان يعجبه قول ذي الرمة: [الطويل]
وليلٍ كجلباب العروس ادرعته ... بأربعةٍ والشخص في العين واحد
أحم علافي وأبيض صارم ... وأعيس مهري وأروع ماجد
أراد أن الإبل التي يركبونها في البيداء أسرع من النقانق التي هي النعام.
وقوله:
وليل دجوجي كأنا جلت لنا ... محياك فيه فاهتدينا السمالق
ينشد بكسر الكاف في محياك وفتحها. والمحيا: الوجه, وإنما قيل له: محيا؛ لأنه يلقى بالتحية, والتحية تختلف فتكون كلامًا, وتكون غيره؛ فإذا قيل للرجل: سلام عليك أو