للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كأن الثريا علقت فوق نحرها ... وجمر غضى هبت له الريح ذاكيا

فإن كان سحيم أراد أن حليها ثابت عليها فكأنه جمر غضى؛ لأنه يلبث أكثر من جمر سواه؛ فقد أجاد في ذلك, وأما غيره فيشبه الحلي بالجمر, وقد سبق سحيمًا امرؤ القيس فقال: [الطويل]

كأن على لباتها جمر مصطلٍ ... أصاب غضى جزلًا وكف بأجذال

وقوله:

وتفوج من طيب الثناء روائح ... لهم بكل مكانةٍ تستنشق

يقال: مكان ومكانة, واشتقاقه من كان يكون مثل قولك: مقام ومقامه, وأصل مكانٍ: مكون, فألقيت حركة الواو على الكاف, وقلبت ألفًا, وكذلك يفعلون بالواو والياء في المصدر واسم الزمان والمكان إذا جرين على الفعل. وقالوا في جمع مكانٍ: أمكنة, وهذا يدل على أن الميم أصلية؛ فيجوز أن يكون ذلك من نحو قولهم: تمسكن الرجل, فأثبتوا ميم مسكينٍ, وإنما القياس أن يقولوا: تسكن, وإذا حمل مكان على أنه من الكون وجب أن يقال في جمعه: مكاون, كما قالوا في جمع مقامٍ: مقاوم, قال الشاعر: [الطويل]

وإني لقوام مقاوم لم يكن ... جرير ولا مولى جريرٍ يقومها

وقالوا: تمكن فلان في الموضع, فإن كان مكان من الكون فوزن أمكنةٍ: أمفلة؛ لأن عين الفعل سقط, ويجوز أن يكون مكان مشتقًا من مكن الضباب؛ أي: بيضها, قال الشاعر: [المتقارب]

ومكن الضباب طعام العريـ ... ـب لا تشتهيه نفوس العجم

والأشبه أن يكون قولهم: أمكنة على سبيل الغلط, وظنهم أن الميم أصلية, وإذا أخذ المكان من المكن؛ فالمراد أن المكان يقام فيه مقامًا دائمًا, كما أن مكن الضب يدوم في موضعه؛ فأما قول الشاعر: [الكامل]

<<  <   >  >>