بمجر منتحر الطلي تعفرت ... فيه الظباء بكل جو ممكن
باض النعام به فنفر سكنه ... إلا المقيم على الدوى المتأفن
أراد بالطلي الحمل من النجوم, شبهه بالحمل من الضأن؛ لأنهم يقولون: طليت الحمل إذا شددت رجله بالطلاء, وهو خيط, ويقال للطلاء: طلية, قال الرجز: [الرجز]
ما زال مذ قرف عنه جلبه ... له من اللؤم طلاء يجذبه
يريد أن الحمل من النجوم مطر في هذا الموضع فتعفرت فيه الظباء؛ أي: تمرغت فالتصقت بالعفر, وهو التراب. والجو: البطن من الأرض, والممكن يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون من مكن الضباب؛ أي: قد باضت فيه, والآخر أن يكون من المكنان, والمكنان: هو ضرب من النبت؛ أي: إنه قد نبت في هذا الموضع.
وقوله: باض النعام, أي: مطر بنوء النعائم من النجوم, فجعل مطرها كبيض النعام على معنى الاستعارة, وسكنه؛ أي: أهله, قال أبو ذؤيب: [الطويل]
أساءلت رسم الدار أم لم تسائل ... عن السكن أم عن عهده بالأوائل
يقول: مطر النعام بذلك الموضع, ونوؤها وخم وبيل فاعتل المقيمون به, ونفر الأصحاء, ولم يتخلف فيه إلا من أقام على مريضٍ.
والدوى في هذا الموضع: الذي به داء, والمتأفن: الذي قد ذهبت قوته, وهو مأخوذ من قولهم: أفنت الناقة إذا استقصيت حلبها, قال الشاعر: [الطويل]
إذا أفنت أروى عيالك أفنها ... وإن حينت أوفى على الوطب حينها
حينت: أي: خليت في حينٍ بعد حينٍ.