للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله:

وإن رحيلًا واحدًا حال بيننا ... وفي الموت من بعد الرحيل رحيل

إذا كان شم الروح أدنى إليكم ... فلا برحتني روضة وقبول

دل كلام أبي الفتح بن جني رحمه الله على أن المتنبي أراد: فلا برحت روضةً, فقدم الخبر كأنه دعا لنفسه بأن يكون بعض الرياض. وقال غيره: ليس الخبر مقدمًا؛ وإنما أراد: لازايلتني روضة وقبول. والقبول هي ريح الصبا, ومهبها من مطلع الشمس.

ولم يكشف معنى هذا البيت إلا رجل يعرف بالمخزومي له تصنيف في شعر أبي الطيب, وذلك (١٤٨/ب) أن الشاعر قال: إن رحيلًا واحدًا حال بيننا, وهو الرحيل في الدنيا, وبعده رحيل ثانٍ وهو الموت, فأن يكون بيننا رحيل واحد أقرب من أن يكون بيننا رحيلان, فدعا لنفسه بالحياة, لأنه ما دام يشم الروح فهو أقرب إليهم منه إذا صار تحت الأرض.

وقوله:

وما شرقي بالماء إلا تذكرا ... لماء به أهل الحبيب نزول

الرواية بنصب تذكر مصدر تذكرت تذكرا, وأشبه ما يقال فيه: إنه مفعول له أو مفعول من أجله, كأنه قال: وما شرقي بالماء إلا لتذكر أو لأجل تذكرٍ, ولو رفع تذكرًا لم يبعد.

وقوله:

يحرمه لمع الأسنة فوقه ... فليس لظمآن إليه وصول

قد ذكرت الشعراء حاجتها إلى الورد وامتناعهم منه للمخافة كقول القائل: [الطويل]

رأى برد ماءٍ ذيد عنه وروضةً ... برود الضحى فينانةً بالأصايل

وقال آخر: [الطويل]

وإني وتهيامي بزينب كالذي ... يحاول من أحواض صداء مشربا

يرى دون برد الماء هولاً وزادةً ... إذا شد صاحوا قبل أن يتحببا

التحبب: أول الري.

<<  <   >  >>