للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله:

ألم ير هذا الليل عينيك رؤيتي ... فتظهر فيه رقة ونحول

الاستفهام في هذا البيت يجوز أن يكون عن شيء قد وقع, كما تقول للرجل: ألم أفعل معك جميلًا؛ أي قد فعلته, وهذا الذي يسمى التقرير, ولا يمتنع أن يكون عن شيء لم يقع بعد, وإذا دخل الاستفهام على حرف النفي قلبه في بعض المواضع إلي الإيجاب, وفي الكتاب العزيز: {أولم ننهك عن العالمين} , أي قد نهاك, واختلف في قوله: {أليس منكم رجل رشيد} , فذهب منهم قوم إلى أن معناه: أما فيكم رجل رشيد, وذهب قوم إلى أنه أراد: أليس منكم نبيكم وهو رشيد, وقول امرئ القيس يحتمل وجهين: [الطويل]

فقالت سباك الله إنك فاضحي ... ألست ترى السمار والناس أحوالي

يحتمل أن تريد: أأنت لا بصر لك فأنت لا ترى من حولي, وهي لا تعلم أيبصر أم لا يبصر, ويجوز أن تريد أنه قد رأى الناس فلم ينته, ويجوز أن يكون الاستفهام في بيت أبي الطيب على هذين الوجهين, ويكون الليل في أحدهما لم ير عيني المرأة, وفي الآخر قد رآهما؛ فوجب عليه أن يرق وينحل.

وقوله:

لقيت بدرب القلة الفجر لقيةً ... شفت كمدي والليل فيه قتيل

يريد أنه أصبح فزال عنه الليل, فكان كأنه قد شفى كمده منه بقتله, ويحسن ذلك أن الفجر يشبه بالسيف؛ فكأنه قتل الليل. وزعم قوم أن سيف الدولة أوقد نيرانًا عظيمةً بدرب القلة فكأنه أزال بها الليل, وقد يجوز مثل هذه الحكاية.

<<  <   >  >>