للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةً سَوْدَاءَ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ مِنْهَا وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كتابه» (١) .

وَأَصْلُ الرَّيْنِ الْغَلَبَةُ، يُقَالُ: رَانَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَقْلِهِ تَرِينُ رَيْنًا وريونا إذا غلبت عليه حتى سكر، وَمَعْنَى الْآيَةِ: غَلَبَتْ عَلَى قُلُوبِهِمُ الْمَعَاصِي وَأَحَاطَتْ بِهَا. قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ حَتَّى يَمُوتَ الْقَلْبُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين: ١٤] طَبَعَ عَلَيْهَا.

[١٥] {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [الْمُطَفِّفِينَ: ١٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كلَّا: يُرِيدُ لَا يُصَدِّقُونَ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ. (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) ، قَالَ بَعْضُهُمْ: عَنْ كَرَامَتِهِ وَرَحْمَتِهِ مَمْنُوعُونَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ أَلَّا يَنْظُرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيَهُمْ. وَقَالَ أَكْثَرُ المفسرين: عن رؤيته.

ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْكُفَّارَ مَعَ كَوْنِهِمْ مَحْجُوبِينَ عَنِ اللَّهِ يَدْخُلُونَ النَّارَ فَقَالَ:

[١٦] {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} [المطففين: ١٦] لداخلو النار.

[١٧] {ثُمَّ يُقَالُ} [المطففين: ١٧] أَيْ تَقُولُ لَهُمُ الْخَزَنَةُ، {هَذَا} [المطففين: ١٧] أَيْ هَذَا الْعَذَابُ، {الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المطففين: ١٧]

[قوله تعالى كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ.] . .

[١٨] {كَلَّا} [المطففين: ١٨] قَالَ مُقَاتِلٌ: لَا يُؤْمِنُ بِالْعَذَابِ الَّذِي يَصْلَاهُ.

ثُمَّ بَيَّنَ مَحَلَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ فَقَالَ: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين: ١٨] {عِلِّيِّينَ} [المطففين: ١٨] فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ لَوْحٌ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ مُعَلَّقٌ تَحْتَ الْعَرْشِ أَعْمَالُهُمْ مَكْتُوبَةٌ فِيهِ، وَقَالَ كَعْبٌ وَقَتَادَةُ: هُوَ قَائِمَةُ الْعَرْشِ الْيُمْنَى. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ الْجَنَّةُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: عُلُوٌّ بَعْدَ عُلُوٍّ وَشَرَفٌ بَعْدَ شَرَفٍ، وَلِذَلِكَ جُمِعَتْ بِالْيَاءِ والنون. ١٩,

[٢٠] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ - كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين: ١٩ - ٢٠] ليس هذا بتفسير عليين بَلْ هُوَ بَيَانُ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ في قوله: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين: ١٨] أَيْ مَكْتُوبٌ أَعْمَالُهُمْ كَمَا ذَكَرْنَا في كتاب الفجار.

[٢١] {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: ٢١] يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ فِي عِلِّيِّينَ يَشْهَدُونَ وَيَحْضُرُونَ ذَلِكَ الْمَكْتُوبَ، أَوْ ذَلِكَ الْكِتَابَ إِذَا صُعِدَ بِهِ إِلَى عِلِّيِّينَ. ٢٢,

[٢٣] {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ - عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين: ٢٢ - ٢٣] إِلَى مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنِّعْمَةِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَنْظُرُونَ إلى عدوهم كيف يعذبون.


(١) أخرجه الترمذي في التفسير (٩ / ٢٥٣) وقال: (حديث حسن صحيح) ، والنسائي في التفسير (٢ / ٥٠٥) وفي عمل اليوم والليلة (ص ٣١٧) ، وابن ماجه في الزهد برقم (٤٢٤٤) (٢ / ١٤١٨) ، والإمام أحمد في المسند (٢ / ٢٩٧) ، والطبري (٣٠ / ٩٨) ، وصححه الحاكم (٢ / ٥١٧) ، وابن حبان برقم (١٧٧١) والمصنف في شرح السنة (٥ / ٨٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>