وَالْآخَرُونَ يُدْغِمُونَهَا فِي الْمِيمِ، {وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود: ٤٢] فتهلك.
[٤٣] {قَالَ} [هود: ٤٣] له ابنه {سَآوِي} [هود: ٤٣] سَأَصِيرُ وَأَلْتَجِئُ، {إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود: ٤٣] يمنعني من الغرق، {قَالَ} [هود: ٤٣] لَهُ نُوحٌ {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هود: ٤٣] أي: مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، {إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود: ٤٣] قيل: (من) في محل رفع، أَيْ لَا مَانِعَ مِنْ عَذَابِ الله إلا الله الرحيم، وَقِيلَ: (مَنْ) فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، مَعْنَاهُ لَا مَعْصُومَ إِلَّا مَنْ رَحِمَهُ اللَّهُ كَقَوْلِهِ: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الْحَاقَّةِ: ٢١] أَيْ: مَرْضِيَّةٍ، {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ} [هود: ٤٣] فصار، {مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود: ٤٣] ويروى أن الماء علا على رؤوس الْجِبَالِ قَدْرَ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، وَقِيلَ: خمسة عشر ذراعًا.
[٤٤] {وَقِيلَ} [هود: ٤٤] يَعْنِي بَعْدَمَا تَنَاهَى أَمْرُ الطُّوفَانِ. {يا أَرْضُ ابْلَعِي} [هود: ٤٤] اشربي، {مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} [هود: ٤٤] أمسكي، {وَغِيضَ الْمَاءُ} [هود: ٤٤] نَقَصَ وَنَضَبَ، يُقَالُ: غَاضَ الْمَاءُ يَغِيضُ غَيْضًا إِذَا نَقَصَ، وَغَاضَهُ اللَّهُ أَيْ أَنْقَصَهُ، {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [هود: ٤٤] وفرغ من الأمر وهلاك القوم {وَاسْتَوَتْ} [هود: ٤٤] يَعْنِي السَّفِينَةُ اسْتَقَرَّتْ، {عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: ٤٤] وهو جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ بِقُرْبِ الْمَوْصِلِ، {وَقِيلَ بُعْدًا} [هود: ٤٤] هلاكا، {لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود: ٤٤]
[٤٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: ٤٥] وَقَدْ وَعَدْتَنِي أَنْ تُنْجِيَنِي وَأَهْلِي؟ {وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود: ٤٥] لَا خُلْفَ فِيهِ، {وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: ٤٥] حَكَمْتَ عَلَى قَوْمٍ بِالنَّجَاةِ وَعَلَى قوم بالهلاك.
[٤٦] {قَالَ} [هود: ٤٦] اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: ٤٦] قَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ: (عَمِلَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ (غَيْرَ) بِنَصْبِ الرَّاءِ عَلَى الْفِعْلِ، أَيْ: عَمِلَ الشِّرْكَ وَالتَّكْذِيبَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الميم، ورفع اللام تنوينه، (غَيْرُ) بِرَفْعِ الرَّاءِ مَعْنَاهُ: أَنَّ سُؤَالَكَ إِيَّايَ أَنْ أُنْجِيَهُ عَمَلٌ غير صالح، {فَلَا تَسْأَلْنِي} [هود: ٤٦] يَا نُوحُ، {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود: ٤٦] قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ (فَلَا تسألني) بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَيَكْسِرُونَ النُّونَ غَيْرَ ابْنِ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ يَفْتَحُهَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِجَزْمِ اللَّامِ وَكَسْرِ النُّونِ خَفِيفَةً، وَيُثْبِتُ أَبُو جعفر وأبو عمرو وورش الياء في الوصل دون الوقف، وأثبتها يعقوب في الحالين، {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: ٤٦] وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الِابْنِ، قَالَ مجاهد والحسن: كان ولد حدث مِنْ غَيْرِ نُوحٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ نُوحٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ: {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود: ٤٦] وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ: كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ وَكَانَ يَعْلَمُهُ نُوحٌ، ولذلك قال {مِنْ أَهْلِي} [هود: ٤٥] وَلَمْ يَقُلْ مِنِّي، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْأَكْثَرُونَ: إِنَّهُ كَانَ ابْنَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ صُلْبِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ وَقَوْلُهُ {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: ٤٦] أي: من أهل الدين وَقَوْلُهُ: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: ٤٦] يعني: تَدْعُوَ بِهَلَاكِ الْكُفَّارِ ثُمَّ تَسْأَلَ نجاة كافر.
[قوله تعالى قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ] عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ. . . . .
[٤٧] {قَالَ} [هود: ٤٧] نُوحٌ {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: ٤٧]
[٤٨] {قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ} [هود: ٤٨] انْزِلْ مِنَ السَّفِينَةِ، {بِسَلَامٍ مِنَّا} [هود: ٤٨] أَيْ بِأَمْنٍ وَسَلَامَةٍ مِنَّا، {وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ} [هود: ٤٨] الْبَرَكَةُ هِيَ ثُبُوتُ الْخَيْرِ، وَمِنْهُ بروك البعير، وقيل: البركة ههنا هِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، {وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} [هود: ٤٨] أَيْ: عَلَى ذُرِّيَّةِ أُمَمٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَكَ فِي السَّفِينَةِ، يَعْنِي على قرون تجيء بَعْدِكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ مَنْ مَعَكَ في السفينة، يعني: مِنْ وَلَدِكَ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: دَخَلَ فيه كل مؤمن إلى يوم القيامة. {وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ} [هود: ٤٨] هَذَا ابْتِدَاءٌ، أَيْ: أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ فِي الدُّنْيَا، {ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هود: ٤٨] وَهُمُ الْكَافِرُونَ وَأَهْلُ الشَّقَاوَةِ.
[٤٩] {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ} [هود: ٤٩] من أَخْبَارِ الْغَيْبِ، {نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} [هود: ٤٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute