للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنهما ثقلا على الأرض أحياء وأمواتا. ٣٢،

[٣٣] {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا} [الرحمن: ٣٢ - ٣٣] أَيْ تَجُوزُوا وَتَخْرُجُوا، {مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الرحمن: ٣٣] أَيْ مِنْ جَوَانِبِهِمَا وَأَطْرَافِهِمَا، {فَانْفُذُوا} [الرحمن: ٣٣] مَعْنَاهُ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْمَوْتِ بِالْخُرُوجِ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَاهْرُبُوا وَاخْرُجُوا مِنْهَا.

وَالْمَعْنَى حَيْثُمَا كُنْتُمْ أَدْرَكَكُمُ الْمَوْتُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ} [النِّسَاءِ: ٧٨] وَقِيلَ: يقال لهما هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَجُوزُوا أَطْرَافَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَتُعْجِزُوا رَبَّكُمْ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَيْكُمْ فَجُوزُوا، {لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: ٣٣] أَيْ: بِمُلْكٍ، وَقِيلَ: بِحُجَّةٍ، وَالسُّلْطَانُ: الْقُوَّةُ الَّتِي يَتَسَلَّطُ بِهَا عَلَى الْأَمْرِ، فَالْمُلْكُ وَالْقُدْرَةُ وَالْحُجَّةُ كُلُّهَا سُلْطَانٌ، يُرِيدُ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتُمْ كُنْتُمْ فِي مُلْكِي وَسُلْطَانِي.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَعْنَاهُ: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَاعْلَمُوا وَلَنْ تَعْلَمُوهُ إِلَّا بِسُلْطَانٍ أَيْ بِبَيِّنَةٍ مِنَ الله عز وجل.

[٣٤] {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ٣٤]

[٣٥] {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: ٣٥] وَهُوَ اللَّهِيبُ الَّذِي لَا دُخَانَ فِيهِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ اللَّهَبُ الْأَخْضَرُ المنقطع من النار، {وَنُحَاسٌ} [الرحمن: ٣٥] قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْكَلْبِيُّ: النُّحَاسُ الدُّخَانُ، وَهُوَ رِوَايَةُ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: النُّحَاسُ هُوَ الصُّفْرُ الْمُذَابُ يصب على رؤوسهم، وَهُوَ رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مسعود النحاس هو المهل.

{فَلَا تَنْتَصِرَانِ} [الرحمن: ٣٥] أي فلا تمتنعان مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَلَا يَكُونُ لَكُمْ نَاصِرٌ مِنْهُ. ٣٦،

[٣٧] {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - فَإِذَا انْشَقَّتِ} [الرحمن: ٣٦ - ٣٧] انفرجت، {السَّمَاءُ} [الرحمن: ٣٧] فَصَارَتْ أَبْوَابًا لِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ {فَكَانَتْ وَرْدَةً} [الرحمن: ٣٧] أَيْ كَلَوْنِ الْفَرَسِ الْوَرِدِ، وَهُوَ الْأَبْيَضُ الَّذِي يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ والصفرة، {كَالدِّهَانِ} [الرحمن: ٣٧] جَمْعُ دُهْنٍ، شَبَّهَ تَلَوُّنَ السَّمَاءِ بِتَلَوُّنِ الْوَرْدِ مِنَ الْخَيْلِ، وَشَبَّهَ الْوَرْدَةَ فِي اخْتِلَافِ أَلْوَانِهَا بِالدُّهْنِ وَاخْتِلَافِ أَلْوَانِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالرَّبِيعِ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: كَالدِّهَانِ كَعَصِيرِ الزَّيْتِ يَتَلَوَّنُ فِي السَّاعَةِ أَلْوَانًا.

وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَدُهْنِ الْوَرْدِ الصَّافِي.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ تَصِيرُ السَّمَاءُ كَالدُّهْنِ الذَّائِبِ وَذَلِكَ حِينَ يُصِيبُهَا حَرُّ جَهَنَّمَ.

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَالدِّهَانِ أَيْ كَالْأَدِيمِ الْأَحْمَرِ وَجَمْعُهُ أَدْهِنَةٌ وَدُهُنٌ.

[٣٨ - ٣٩] {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرَّحْمَنِ: ٣٨ - ٣٩] قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: لَا يُسْأَلُونَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ لِتُعْلَمَ مِنْ جِهَتِهِمْ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلِمَهَا مِنْهُمْ، وَكَتَبَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَعَنْهُ أَيْضًا: لَا تَسْأَلُ الْمَلَائِكَةُ الْمُجْرِمِينَ لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ، دَلِيلُهُ مَا بَعْدَهُ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٌ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الْحِجْرِ: ٩٢] قَالَ: لَا يَسْأَلُهُمْ هَلْ عَمِلْتُمْ كَذَا وَكَذَا لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ يَسْأَلُهُمْ لِمَ عَمِلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهَا مَوَاطِنُ يَسْأَلُ فِي بَعْضِهَا وَلَا يَسْأَلُ فِي بَعْضِهَا.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا لَا يُسْأَلُونَ سُؤَالَ شَفَقَةٍ وَرَحْمَةٍ وَإِنَّمَا يُسْأَلُونَ سُؤَالَ تَقْرِيعٍ وَتَوْبِيخٍ.

وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَا يُسْأَلُ غَيْرُ الْمُجْرِمِ عَنْ ذنب المجرم.

[قوله تعالى يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي] وَالْأَقْدَامِ. . .

[٤٠ - ٤١] {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [الرحمن: ٤٠ - ٤١] وَهُوَ سَوَادُ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةُ الْعُيُونِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آلِ عمران: ١٠٦] {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن: ٤١] تُجْعَلُ الْأَقْدَامُ مَضْمُومَةً إِلَى النَّوَاصِي مِنْ خَلْفٍ وَيُلْقَوْنَ فِي النَّارِ.

[٤٢] {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ٤٢]

[٤٣] ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} [الرحمن: ٤٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>